أحمد سليم: مصر بين خطابين.. الخطاب الحاسم والقرار الحازم

آن للشعب أن يغضب وآن للرئيس أن يحسم.. كان الصبر طويلًا طوال أعوام مضت على حوادث إرهاب تتالت وعلى دماء شهداء سالت.. ولكن يبدو أن أسبوع الآلام فى العصر الحديث أحدث حالة من الصدمة.. فكانت الردود الحاسمة ولا نقول الغاضبة.. ثلاثة خطابات يجب أن نلتفت إليها، أولها خطاب الرئيس القصير جدًا والحاسم جدًا والهام.. فخلال دقائق لا تتعدى الخمس تقريبًا حسم الرئيس قضايا معلقة بعد أن نفد صبره.

 

إعلان حالة الطوارئ فى البلاد كان القرار الهام والحاسم والمطلوب لمواجهة إرهاب توسع وتوحش.. ولم يعد يترك لا دار عبادة ولا سينما ولا تجمعًا.. ولم تعد شظايا قنابله تفرق بين راهب أو ضابط أو عابر سبيل فى أحد الشوارع، وضعه حظه فى طريق إرهابى جبان.. تم غسل مخه ومحو فطرته وتحويله إلى إرهابى أو شيطان مبرمج.

 

ما حدث صباح الأحد الماضى كان كارثة إنسانية.. فاليوم عيد قبطى.. عشرات الآلاف يملئون الكنائس ويرفعون صلبان الزعف.. يتذكرون آلام المسيح ويدعون ويتقربون ويترنمون.. أطفال تملؤهم فرحة عيد وكبار تسكن قلوبهم مع ترانيم القداس.. ملايين المصريين خرجوا يبحثون عن رزقهم.. يوم مصرى عادى فى بدايته.. دموى بعد ساعات من صباحه.. دوى انفجار طنطا بكنيسة مار جرجس وهى الكنيسة الأكبر فى طنطا.. اختاروا الهدف بعناية فقاعة الصلاة يوجد بها حوالى الألف وكبار الشخصيات القبطية فى وسط الدلتا تحضر هذا القداس وهناك هدف آخر الأنبا بولا.. المطران الأهم فى الكنيسة، والأقرب إلى الشعب مسلميه ومسيحييه.. هناك ستكون الضربة مؤلمة.. وفى الإسكندرية ستكون الضربة الأهم والأكثر وجعا.. فالهدف ليس رمزًا دينيًا عادياً.. إنه بابا الأقباط الأرثوذكس.. والذى يتبعه ملايين الأقباط فى العالم.. رمز مصرى دينى مهم.. وهدف يجب القضاء عليه لإشعال فتنة لا تنتهى ولإسقاط دولة صمدت فى وجه عدة محاولات متتالية.. دولة عاد رئيسها من زيارة مهمة.. دولة تستعد لزيارة بابا الفاتيكان.

 

دولة استطاعت أن تعيد احتياطيها الدولارى إلى موقع معقول.. دولة تحارب الإرهاب بأعلى كل حدودها.. ثبت جيشها.. سلحت قواتها.. تقف موقفًا واضحًا مما يحدث من سوريا واليمن إذا كان لابد أن ندفع الثمن.. والثمن المطلوب ليس النظام أو رأس النظام أو رموزًا يتم خطف حياتها بالاغتيال.. الهدف هو إسقاط الدولة كاملة..فلم يتمكن رجال المخابرات الذين يسعون إلى إعادة تقسيم الشرق الأوسط وتنفيذ مشروعهم الذى استهدفوا به مصر فى ثمانينيات القرن الماضى بإقامة شرق أوسط أكبر وتأمين دولة إسرائيل للأبد.. لن يتم ذلك إلا بسقوط مصر التى كانت ومازالت القضية الأكبر أمامهم.. والجائزة الكبرى لهم.. حادث التفجير المزدوج فى طنطا والإسكندرية.. لو نجح لا قدر الله.. فأنت أمام اغتيال لرمز دينى هو الأكبر والأهم لدى أقباط مصر والعالم.. وسيكون الذريعة لتدخل أجنبى سريع للقضاء على ما قد يكون قد تبقى من الدولة.. قدر الله وسلم ونجا البابا من محاولة الاغتيال فى الإسكندرية ونجا الأنبا بولا من حادث اغتيال طنطا، وارتقى شهداء من المسيحيين والمسلمين.

 

فقنابل الغدر لا تفرق بين مسلم ومسيحى.. انتهى الحادث واستمرت الصلوات.. صعد الشهداء إلى رب السماء يشكون الغدر.. ونجت مصر من محاولة اغتيالها وإسقاطها.. ولذا كان من الضرورى أن يخرج الرئيس للشعب كما خرج فى يونيو 2013 يطلب التفويض لمكافحة الإرهاب.. خرج اليوم ليكمل المسيرة ويواجه بحسم وصراحة.. نحتاج إلى الحسم نعم.. نحتاج ظواهر عديدة إلى مواجهة صارمة نعم.. وهذا ما سيتكفل به قانون الطوارئ، الذى يعطى أجهزة الأمن المختلفة قوة فى التعامل مع الإرهابيين بمختلف ميادين تواجدهم ويعيد أيضًا الانضباط إلى الشارع ويواجه ظواهر البلطجة والخطف والاغتصاب والمخدرات.. لقد بدأ العلاج الشامل وإن كان جزء منه هو الأمن ليس بالداخلية وحدها.. ولكن ما أقصده كل أجهزة الأمن ونزول القوات المسلحة للمشاركة فى التأمين والجاهزية السريعة لها كان واضحًا حتى فى سيولة المرور الأيام الماضية.

 

الأهم فى العلاج الشامل.. هو ما طالب به الرئيس فى خطابه الحاسم.. فكيف نواجه الإرهاب ولدينا خطاب دينى مازال يتحدث عن أكل لحم الأسير ومعاشرة الجان وحكم أبناء الجان وحكم مضاجعة الرضيعة وإرضاع الكبير.. خطاب دينى مازال يرعبنا بالعقاب بالثعبان الأقرع ويمنينا بحور العين والولدان المخلدين.. خطاب دينى يتحول أحيانا إلى قصة تلهب الغرائز ولا تسمو بها.. كيف نواجه الإرهاب وقد تفرغ الدعاة للبحث عن برامج الفضائيات والإذاعة وأصبح لبعضهم مديرو أعمال يتفقون على ثمن أوقات الظهور فى وسائل الإعلام.. دعاة سكنوا القصور وروعونا بسكن القبور.. كيف تواجه الدولة الإرهاب بهؤلاء الدعاة وبخطاب عفا عليه الزمن.. تحدثوا عن قوافل دينية ودعاة ووعاظ مقاهى.. ونسوا أن تاريخنا ملىء برجال كانت دعوتهم بسيطة ورائعة لمست القلوب والعقول.

 

الملايين تصرف من أجهزة الدعوة على مؤتمرات وقيادات يهمها الظهور فى خطب الجمعة.. تعالوا نحسب كم ظهر وزير الأوقاف ووكيل الأزهر فى خطب الجمعة والتليفزيون طوال العام الماضى.. وكم من الفرص تركوها لدعاة جدد ربما يكون العلاج على أيديهم.. تجديد الخطاب الدينى هو الملمح الثانى.. والأهم فى خطاب الرئيس ولن يتم ذلك يا سيادة الرئيس.. وهذه القيادات موجودة.. عليهم بالتنحى ولو قليلا عن صدارة المشهد.. لدينا مجمع للبحوث الإسلامية أنشأه عبدالناصر.. وحتى الآن لم يستطع تنقية التراث الإسلامى، وهو الهدف الذى أنشئ من أجله.. لدينا مئات المعاهد الأزهرية مازالت تدرس مناهج وضعت لتخرج لنا ملايين الدواعش.. لدينا الكثير يحتاج إلى التغيير وإذا لم يكن قادة الأزهر والأوقاف قادرين على ذلك فليتركوا أماكنهم أو ليقيلهم الرئيس.