عماد الدين حسين: حريق فى القطار رقم 972  

 

فى السادسة تقريبا من مساء يوم الخميس 9 فبراير، كان القطار رقم 972 الذى انطلق من أسيوط فى طريقه إلى القاهرة قد وصل إلى رصيف محطة بنى مزار بمحافظة المنيا. فجأة صرخ شخص قائلا: «حريق» فى هذه اللحظة حدث هرج ومرج وصراخ وعويل وتدافع لا مثيل له.

 

كنت وزوجتى وأولادى الأربعة فى عربة رقم 5 درجة ثانية مكيفة قادمين من القوصية، وجدنا أنفسنا وسط تدافع كبير حاولت قدر جهدى إقناع الناس بالهدوء، لكن فشلت.

 

جميع الركاب إلا قليلا، كانوا يريدون الحصول على حقائبهم والنزول فورا فى نفس الوقت، وبالتالى تعرض بعض الركاب خصوصا الصغار للوقوع والدهس.

إحدى السيدات العجائز، ظلت تشتم على جميع المسئولين.

 

بعد عشر دقائق من النزول على الرصيف عرفنا أن جزءا من «تيل الفرامل» الخاص بعربة رقم 8 قد احترق، مما سبب دخانا وبعض النيران. وتم فصل العربة عن القطار حتى تمت عملية الإصلاح وانطلق القطار فى السادسة والنصف وخمس دقائق. لكن اكتشفنا فى المحطة التالية وهى مغاغة أن العطل مايزال مستمرا، ولذلك قام القطار بالتخزين وتغيير العربة بأكملها، واستغرق ذلك نحو الساعة تقريبا.

 

الذى يدفعنى للكتابة الان عن الحادث طريقة تصرف المسئولين عن القطار مع المشكلة.

 

طوال مدة التعطل لم يخرج أى شخص ليقول للناس ماذا حدث، أو ماذا سيحدث، وهو ما ساعد على انتشار الشائعات.

السؤال الذى سأله الجميع وهم على الرصيف هو: كيف يمكن السماح بتحرك القطار من أسيوط من دون التأكد من أن حالته جيدة تماما؟. واذا كان قد خرج سليما، فلماذا كان الارتباك؟

 

الناس لم تعد تسكت على الخطأ، وبعد دقائق كان حديثهم على الإهمال والفساد وانعدام الكفاءة، الذى يعرض حياتهم، وحياة أولادهم للخطأ، أنهم اكتشفوا أن غالبية طفايات الحريق لا تعمل!.

 

القطار ما يزال هو الوسيلة الأكثر أمانا والأقل تكلفة مقارنة بكل أنواع المواصلات فى مصر. ونعرف أن الدعم المقدم من الدولة لمرفق السكة الحديد كبير جدا، والتشغيل غير اقتصادى بالمرة، كما قال رئيس الجمهورية اكثر من مرة.

 

لكن فى المقابل هناك تكدس وإهمال وفوضى، وتقارير عن سوء توزيع العمالة فى أكثر من قطاع بهذا المرفق الحساس. وبالتالى وقبل أن نتحدث عن تقليل الدعم، وتسعير الخدمة حسب تكلفتها، يجب علينا أن نتأكد أولا من كفاءة هذا القطاع، وتشغيله على أسس اقتصادية فى كل شىء، بمعنى أن الركاب وإذا وجب عليهم أن يدفعوا قيمة التذكرة الحقيقية، فعليهم أن يتأكدوا أنهم لا يتحملون ثمن الوظائف غير الضرورية، أو أى مرتبات تدفع لمستشارين لا يؤدون عملا، أو يتم تعيينهم عقب إقالتهم من وظائفهم، أو لمجاملتهم. هذا هو المبدأ الذى ينبغى أن نكون متأكدين منه فى كل الوزارات والهيئات والمؤسسات التى تقول إنها تقدم دعما للجمهور، وبعضها فى حقيقة الأمر يحصل على دعم دافع الضرائب الذى يصب فى جيوب بعد المستشارين وكبار الموظفين.

 

الجانب الآخر الذى كشف عنه هذا الحريق البسيط هو انعدام الوعى تقريبا بين غالبية ركاب القطار، وهم عينة عشوائية حقيقية من الشعب المصرى.

القطار به درجة أولى، وثانية مكيفة وثانية عادية. الغالبية أصيبت بالهلع والرعب، وهذا شعور انسانى طبيعى. لكن لا احد مدرب على مواجهة مثل هذه المواقف، التفكير توقف، واندفع الجميع بصورة عشوائية، كان يمكن أن تؤدى إلى ما لا يحمد عقباه.

 

وإذا كنا نلوم الحكومة على التقصير والإهمال فى ملفات كثيرة، ومنها حالة القطار، فإننا كشعب مسئولين أيضا عن بعض الأخطاء. صرنا نندفع من دون تفكير فى أمور كثيرة قبل أن نتأكد من الأخبار والمعلومات والحقائق ومدى دقتها وصحتها وخطورتها. وإذا كان هذا حالنا كشعب فإنه يسهل للأسف التأثير على معظمنا، وتوجيهه إلى أى اتجاه، وهو أمر شديد الخطورة ليس فقط فى حادث قطار ولكن فى مستقبل وطن بأكمله!!. الشروق