فاروق جويدة: الأحلام لا تشيخ

 

العاشق القديم يزورنى كثيرا يتسلل بين حشود الشعر الأبيض والنبضات المتعبة ويذكرنى بوجه أو حديث أو أغنية وأراه أحيانا يجادلنى حين أقول له إن لكل شىء زمانه ولكل حلم عمره ولكل نهر مصبا حتى لو طالت رحلته..

 

إن السؤال الدائم بيننا هل تشيخ الأحلام كما يشيخ البشر أم أن الأحلام كائنات تحلق فى سماء الكون بلا ارض أو زمان أو نهاية..فى تقديرى أن الأحلام أطول عمرا من البشر وإنها ليست من حق إنسان واحد، إنها ملك للناس جميعا حتى لو اختلفت الأماكن واللغات والملامح..

 

إن أحلام الحب تحلق فى كل مكان قد تختلف فى الوسائل ولكن الغاية واحدة أن يجد الإنسان صدرا دافئا رحيما يحتويه فى ساعة وحشة أو ألم، أن يجد الإنسان وطنا يدرك قيمة البشر ويحترم كرامتهم، أن يجد طعاما وسكنا ووعيا يرشده إلى طريق أفضل وحياة أكثر كرامة، أن يعيش لنفسه وللآخرين ولا يتصور أن هذا الكون خلق له وحده، أن يجد فى السماء مكانا تحلق فيه الطيور وفى الأرض ساحة للرحمة بين مخلوقات الله..

 

إن الأحلام من حق جميع البشر من يسكن قصرا ومن يسكن كوخا وكثيرا ما تضللنا أحلامنا حين تسرف فى غايتها، إن أصعب الأشياء فى حياة البشر أن تحلم بأن تجرى وأنت تعيش مقيدا فى زمن كسيح..

 

أن تزرع أشجارا للحب فى صحراء قاحلة أن ترفع راية العدل فى زمان ظالم، أن تدعو للجمال وسط عصابات من القبح، أن تبنى كل يوم للناس حلما ويأتى من يهدم كل شىء ..

 

أنا على يقين أن الأحلام لا تشيخ ولا تموت ولكنها أحيانا تقبل الهزيمة وهى اقسى أنواع العقاب لأصحاب الأحلام الكبيرة..كلما زرعت حلما كبيرا تأكد انك ستواجه مصيرا صعبا أمام هؤلاء الذين كفروا بقيمة الحلم فى حياة البشر مازلت قادراً على أن احمى أحلامى حتى لو قامت زوبعة وأطاحت بأوراقها الخضراء ووجدت ثمارها الجميلة معلقة على الأغصان فى مشهد حزين..

 

قد يطفئ البعض قناديل الشرفات وقد يتسلل فى الليل قناصة الأحلام ولكن لا الشمس ماتت ولا الأحلام ضاعت فى صخب أعداء الحياة. نقلا عن صحيفة الاهرام