عماد الدين حسين: الثوابت والمتغيرات فى العلاقة مع إسرائيل

بعض الشعوب العربية قبلت على مضض أن تجلس حكوماتها مع العدو الصهيونى، منذ زار أنور السادات القدس المحتلة فى ١٧ نوفمبر ١٩٧٧، ورغم أن عددا كبيرا من هذه الحكومات العربية فاوضت هذا العدو سرا وعلنا، ووقعت العديد من الاتفاقيات، إلا ان معظمها ظل متمسكا بالحد الأدنى من المبادئ، حتى لو كان ذلك لفظا لا فعلا خوفا من شعوبها.

 

الان ومع حالة الضعف العربى غير المسبوق، هناك قلق عميق من قطاعات كثيرة من الشعوب العربية، بأن الحدود الفاصلة بين الثوابت والمتغيرات تتلاشى وتتهاوى، وأن المبادئ التى ظلت حاكمة منذ اندلاع الصراع مع العدو الصهيونى عام ١٩٤٨، تتعرض لأكبر عملية تآكل وتراجع وانتكاس.

وفى هذه الأيام الصعبة يفترض ألا ننسى الثوابت وألا نخلطها بالمتغيرات، علينا دائما أن نذكر بها أنفسنا وأولادنا وأجيالنا الجديدة.

 

أول هذه الثوابت أن إسرائيل هى العدو الاول والرئيسى للأمة العربية، هى جسد غريب تم زرعه عنوة فى هذه المنطقة لتقسيمها وإضعافها. منذ كان فكرة فى الحملة الفرنسية على المنطقة عام ١٧٩٨ بقيادة نابليون بونابرت، مرورا بوعد بلفور المشئوم فى نوفمبر عام ١٩١٧، ثم بتجسيد هذ الكابوس على أرض الواقع فى ١٥ مايو ١٩٤٨، نهاية باستمرار الانحياز الدولى السافر من القوى الكبرى لمصلحة إسرائيل ضدنا، خصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا.

 

من الثوابت أيضا أن إيران دولة إسلامية، نختلف معها كثيرا، لأن معظم سياساتها عدائية ضد امتنا العربية، هى ترفع شعارات زائفة بأنها تنصر الطائفة الشيعية بهدف تحقيق هيمنة قومية على المنطقة. نختلف مع طهران فى السياسات والمواقف، لكن لا ننسى أنها أمة ذات حضارة عريقة، ولا يمكن أن نساوى بينها وبين إسرائيل، ننصر اخوتنا العرب فى خلافهم مع ايران، لكن لا ينبغى ان نتحالف ضدها مع إسرائيل. المأساة أن السياسات الإيرانية الحالية تجعل بعض العرب يلجأون إلى «الشيطان الذى هو إسرائيل» من أجل مواجهة هذا الجار الايرانى المتجبر.

 

من المتغيرات إننا فى مصر مثلا ان غالبية المواطنين يختلفون مع السياسات الحكومية التركية والقطرية، لكن من الثوابت اننا لا نختلف، مع الشعب القطرى الشقيق أو الشعب التركى الصديق.

من الثوابت ايضا اننا لا نعادى ولا نكره اليهود باعتبارهم يهودا، هم مثل المسيحيين ابناء دين سماوى، لكننا نختلف تماما ونعادى أى صهيونى يوافق على سياسات حكومته العنصرية أو يقبل الاقامة فى مستوطنات مقامة على الارض الفلسطينية.

 

من الثوابت أيضا أن «حماس»، حركة مقاومة فلسطينية تصدت للعدو الصهيونى كثيرا. نختلف معها حينما تخلط بين دورها المقاوم ضد العدو، ودورها الأيديولوجى المتعاطف مع جماعة الإخوان، باعتبارها فرعا للحركة فى فلسطين. الخلاف مع حماس ينبغى أن يكون مؤقتا وطارئا، لكن الأصل أن تكون لنا علاقات جيدة مع كل الفصائل والمنظمات الفلسطينية.

 

نختلف مع غالبية الحكومات العربية بسبب سياساتها القمعية والمستبدة، التى ساعدت فى نشأة ونمو قوى ومنظمات متطرفة وإرهابية. ما كان يمكن للقاعدة وداعش وغالبية تفريعاتها أن تنشأ لولا فشل غالبية الحكومات العربية فى تقديم نموذج ملهم وناجح لشعوبها، لكن لا يمكن أن نساوى بين هذه الأنظمة بكل عيوبها وبين العدو الإسرائيلى.

 

من الثوابت أيضا أن سياسات غالبية الحكومات الأوروبية ماتزال منحازة لإسرائيل، وكذلك إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، خلافا لتغيرات مهمة فى قناعة العديد من المواطنين والنخب الغربية التى بدأت تقاطع إسرائيل ومنتجات مستوطناتها. لكن الذى يجعل الغرب منحازا لإسرائيل هو ضعفنا وهواننا على أنفسنا.

 

من الثوابت أن الخلافات بين الحكومات العربية والاسلامية يبنغى ان تكون مؤقتة وعابرة. ولا ينبغى ان يفكر طرف عربى فى التقارب مع العدو الصهيونى، لمواجهة شقيقه العربى أو الاسلامى، دون ان نتعظ من المأساة المماثلة التى حدثت أثناء الحروب الصليبية فى المنطقة. أو فى أواخر الوجود العربى فى الأندلس. حينما تحالف بعض العرب والمسلمين مع الصليبيين والإسبان على حساب أشقائهم.. والحديث موصول. الشروق