أحمد عبد التواب :الغرب يلهث وراء بوتين!

الحقيقة التى قد تتوارى وراء استحقاق بوتين للإعجاب لمواهبه الشخصية المبهرة هى أنه اختيار واعٍ لشعب بعد تجربة مريرة عانوا فيها مرارة الإذلال عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، وتألموا من نظرات التشفِّى من الغرب، وصاروا عازمين على النهوض وردّ الاعتبار لأنفسهم. كما يبدو أيضاً أن قدراته المتعددة الأخّاذة قد شتتت الانتباه إلى أنه ابن تجربة كانت الدولة ترعى فيها ببذخ الأطفال النابهين والشباب الجادين وكانت تحرص على أن توفِّر لهم تعليماً خاصاً ورعاية خاصة ودورات إعداد خاصة. وقد أثمرت هذه التجربة كوادر كثيرة مثل بوتين وصار بإمكانها أن تضخّ فى الحياة العامة الكثير ممن صُقِلَت مواهبهم فى الخطابة والإقناع والتفاوض والمجادلة والرقص والغناء وتذوق الفنون والرماية والسباحة وركوب الخيل وصيد الأسماك..إلخ إلخ، وهو ما لا يُتاح فى الغرب إلا لأبناء الأسر الثرية.

 

استطاع بوتين فى وقت قياسي، ومعه جيل من البوتينات، أن يعالجوا الصدوع التى ورثوها من فترة الاضطرابات، وسرعان ما أمسكوا بالمبادرة وتوقفوا عن أن يكونوا ردّ فعل إزاء سياسة الغرب، بل على العكس صاروا يبادرون باختياراتهم، وبات يلهث خلفهم ساسة أوروبا الذى انكشفوا كهواة بالمقارَنة! انظر فقط إلى هذا التتابع المتدفق بسرعة وهدوء وثقة وثبات، حينما حقق حلم بلاده فى ضم إقليم القرم الذى كان تحت سيطرة أوكرانيا، ولم يُعر الغضب الغربى اهتماماً، بل تركهم يخططون لكيفية إخراجه من القرم، وتقدم خطوات للأمام باللعب فى أوكرانيا نفسها، فإذا بهم ينسون القرم وينتقلون لما يتصورون أنه مواجهة حاسمة فى أوكرانيا، ولكنه كان اتخذ خطوته التالية، التى كانوا يتصورون أنه لن يتجاسر عليها، فعبر البحار إلى سوريا، وراح يدمر فى تنظيم داعش وشركاه فى فضح لسياسة الغرب المتواطئة مع الإرهاب..إلخ.

 

لذلك لم تكن مفاجأة لمن يتابعون حركاته أن لا يتورط فى رد فعل تلقائى بأسهل إجراء ضد طرد الدبلوماسيين الروس من أمريكا بطرد مماثل، وإنما أرجاً ردّ فعله ببرود سياسى مُقَدَّر حتى تتولى الإدارة الأمريكية الجديدة بعد أسابيع. صحيفة الاهرام