أحمد سليم: من يملك حق التصالح؟

يفتح الإفراج عن الشباب المحبوسين فى قضايا تخص التظاهر أو قضايا أخرى بعيدة عن الجنائية – يفتح من جديد – ملف المصالحة المجتمعية.. والسؤال المطروح الآن هل يأتى قرار الإفراج عن 82 شابًا محبوسا على ذمة قضايا تظاهر وقضايا رأى استجابة لتوصيات مؤتمر شرم الشيخ للشباب أم أن هذا توجه للرئيس عبدالفتاح السيسى لفتح باب المصالحة المجتمعية مع الجميع.. وهل تشمل هذه المصالحة فئات أخرى خاصة مع أحكام القضاء الثلاث الأخيرة والخاصة برفض الطعن المقدم من النيابة ضد علاء مبارك وجمال مبارك فى قضية القصور الرئاسية وأصبح حكما نهائيا ولم يتبق لهم سوى قضايا الكسب غير المشروع والتى يتيح قانون التصالح الجديد أيضا أن تغلق ملف القضايا الخاصة بهما؟

 

وفى نفس اليوم كان قبول النقض المقدم من محمد مرسى ضد الحكم القاضى بإعدامه فى قضية اقتحام السجون وليخلع مرسى البدلة الحمراء ويعود لارتداء البدلة الزرقاء لتنفيذ حكم نهائى آخر ضده بحبس عشرين عاما..وفى نفس الأسبوع جاء حكم القضاء برفع اسم الفريق أحمد شفيق من الممنوعين من السفر أو الترقب على قوائم الوصول ليتيح له الحكم العودة إلى مصر والتى من المتوقع أن تتم خلال شهرين على الأكثر حسب تأكيدات المقربين له.. ثم يأتى قرار الإفراج عن 82 شابا محبوسا بأحكام قضائية وبعد اجتماعات استمرت أسبوعين للجنة الشباب التى شكلها الرئيس تنفيذا لتوصيات مؤتمر الشباب بشرم الشيخ ويأتى تنفيذ الإفراج بشكل عاجل ليدل ايضا على توجه ما لبدء حالة من المصالحة المجتمعية.. الجميع ليس ضد المصالحة ولكن السؤال هو المصالحة مع من؟ هل تشمل المصالحة متهمين فى قضايا اغتيال الضباط والجنود؟.. هل تتيح المصالحة واستغلال كون المتهمين شبابا أن تشمل القوائم من حرق المجمع العلمى أو من اعتدى على مدرعات الشرطة أو دبابات الجيش.. الجميع يتفهم أن يطلق سراح شباب ممن اعترضوا على قرار تبعية تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية وخرجوا فى مظاهرات للدفاع عن جزء هم متأكدون أنه من الوطن وجاءت أحكام قضائية بعد ذلك لتثبت صحة توجههم.. نتفهم ذلك.. نتفهم أيضا أن يتم الإفراج عن طلبة بالثانوى أو الجامعة شاركوا فى مظاهرة أو دفعهم الحماس للمشاركة دفاعا عما اعتقدوا أنه حرية رأى أو قضية رأى.. نتفهم أيضا أن يتم الإفراج عن إسلام البحيرى لأنه تعرض للحبس فى قضية خالف فيها رأى علماء الأزهر واجتهد فرأى البعض أن اجتهاده خطأ فاتهم وحبس ثم جاء الرئيس ورفع عنه الحبس.. نتفهم تلك الاختيارات فى الـ82 شابا الذين شملتهم القائمة الأولى ولكن ما يخشاه البعض وما دعا إلى خروج أمهات الشهداء وأسرهم فى برامج التليفزيون أو على صفحات الصحف للمطالبة بثأر أبنائهم وهذا حقهم.. ما دفعهم لذلك هو الخوف من تمرير أسماء تم اتهامها واعترفت بارتكاب جرائم بل وافتحر بعضهم بما قام به.

 

يفتح إذًا القرار الصادر بالإفراج عن 82 شابا من المحبوسين ملف المصالحة المجتمعية وهو ملف صعب وشائك ويجب الاهتمام به ولكن قبل ذلك يجب تحديد من هم المقصودون بالمصالحة المجتمعية وهل تدخل جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية والسلفيون فى تلك المصالحة.. وهل تتم تلك المصالحة برعاية خارجية؟.. الشعب يرفض المصالحة مع عناصر من الإخوان تتلوث يديها بدم الشهداء.. ويرفض أيضا المصالحة مع الإخوان الذين صنعوا وما زالوا يصنعون الأزمات الواحدة تلو الأخرى.. الشعب يريد مصالحة مع الشباب الذين غدر بهم وكانت النتيجة أحكاما بالحبس فى قضايا الشعب يريد جمع الشمل ولكن من أجل مصر ومن أجل مستقبل يعمل فيه الجميع كأبناء لوطن واحد وهذا بالتالى يتطلب استبعاد من أخطأ ليس فى حق النظام ولكن استبعاد من أخطأ فى حق الوطن.

 

الشعب يريد مصالحة مع مفكر أو كاتب اجتهد فأخطأ ولكنه يحمل وجهة نظر مخالفة للأغلبية من المفكرين والشيوخ.. الشعب يريد مصالحة تفتح أبواب المستقبل الواعد لا مصالحة يستغلها البعض للعودة إلى الشوارع ونشر الفوضى.. البعض يربط بين صدور الحكمين فى قضية القصور الرئاسية واقتحام السجون وبين مشهد النهاية فى فيلم طيور الظلام عندما وقف ممثل السلطة وممثل الإخوان فى حديقة السجن وكان الحوار عمن يخرج أولا.. لينتهى المشهد بهما معا وهما يتسابقان نحو الكرة ونحو من يسدد أولا فى الشبكة.. المشهد كان من سنوات ويبدو أن الكثيرين يرون أنه يتحقق اليوم بعد هذه الأحكام.. البعض يسيس أحكاما قضائية من المؤكد أنها صدرت بالمصادفة ولكن حملت إرهاصات عدة.. ملف المصالحة كما يرى الجميع ملفًا شائكًا وعندما يقترب منه الرئيس فإنه من المؤكد يقترب منه ليس بصفته رئيسا للدولة ولكنه يقترب أكثر بصفته أبا مصريا يعرف إحساس أمهات وآباء اندفع أبناؤهم نحو الخطأ ودفعوا ثمنا قاسيا لذلك الاندفاع.. ولأنه المصرى الأب فإن أمهات وأبناء وآباء الشهداء يتوجهون له بنداء أيضا أن يتم تعديل قانون الإجراءات لتسريع فترات التقاضى ضد من قتلوا الجنود فى رفح أو أى منطقة مصرية.. هناك دم مصرى غالٍ وهناك ثمن دفعه ضباط كبار وجنود شباب أيضا دفعوه فداء للوطن.. ولزاما على الوطن اليوم أن يأخد بثأرهم وأن يبعث برسالة لأبناء القوات المسلحة والشرطة أن مصر لن تصمت على نقطة دم لشهيد أو مصاب وأن من تسبب فى ذلك سيدفع الثمن غاليا.. المصالحة مهمة ولكن لكى تستقر هذه المصالحة لا بد من العدل من أن يسير بخطوات أسرع حتى تهدأ أرواح الشهداء.