موقف الهند من أزمة قناة السويس

بقلم: سوابنا كونا نايودو

يوافق هذا الأسبوع الذكرى الستين لأزمة قناة السويس، وهي الأزمة التي كان لها أهمية كبرى بالنسبة لموقف الهند من المنطقة بشكل عام وصعود القومية العربية. فوجئت الهند بالتطورات التي أدت إلى الأزمة في بداية الأمر وهناك العديد من الدروس المستفادة من تعامل الهند مع هذه الأزمة.

بدأت تلك الأزمة مع العدوان الثلاثي عندما قامت إسرائيل وبريطانيا وفرنسا بغزو الأراضي المصرية في 29 أكتوبر 1956. ولم تستمر الأزمة سوى عشرة أيام فقط، ولكنها أثارت قلق الهند العميق وهددت العلاقات بين الدول التي حصلت على استقلالها حديثاً أو التي باتت تتخلص من الاستعمار سريعاً وبين مستعمريها السابقين.

وفي خطاب أرسله نهرو إلى جون فوستر دالاس، قال إن “مستقبل العلاقات بين أوروبا وآسيا كله” بات على المحك. وقد توقعت الحكومة الهندية أن تنعكس تلك الأزمة بشكل كبير على الهند اقتصادياً وسياسياً، حيث أن أية “قيود على حركة الملاحة عبر القناة أو أي حصار أو فرض لرسوم باهظة يمكن أن يكون لها آثاراً سلبية وتعوق تقدم الخطة الخمسية الثانية.”

في عام 1956، كان التقدم الاقتصادي لمصر يعتمد بدرجة كبيرة على التحكم في فيضان النيل، وذلك عن طريق الانتهاء من بناء سد أسوان على نهر النيل. وقد عرض كل من السوفييت والأمريكان مساعدات مالية لبناء السد، ولكنهما تراجعا عن تقديم الدعم بحجة عدم قدرة مصر اقتصادياً.

استشاط الرئيس المصري جمال عبد الناصر غضباً عندما لم يقدم المستعمرون القدامي ولا القوي العظمي التي ظهرت في أعقاب الحرب المساعدة على الرغم من أنهم استفادوا بشكل كبير من حركة الملاحة في قناة السويس. وفي خطاب حماسي، رد عبد الناصر على ما اعتبره إهانة بتأميم قناة السويس وأعلن أن مصر سوف تقوم ببناء السد بنفسها. لم يكن لدى نهرو أدنى فكرة عن رد فعل عبد الناصر وفضل أن ينأى بالهند لئلا تتهم بالتواطؤ في هذا القرار.

شريك مهم

أقامت الهند علاقات خاصة مع مصر. عندما تولى عبد الناصر السلطة عام 1954، سخرت منه القوى الغربية ووصفته بأنه “موسولويني آسيوي” و”مقلد هلتر” و”ديكتاتور محتمل”. وليس من المستغرب أن كل من لندن وباريس كانتا تعتبران القومية العربية التي كان ناصر ينادي بها تهديداً لمصالحهما في إفريقيا، وكذلك في منطقة غرب آسيا. ومن ناحية أخرى، كانت الهند ترى في “القيادة الحكيمة للرئيس جمال عبد الناصر” فرصة لتعزيز العلاقات في المنطقة.

وفيما وصفه نهرو بـ “روح الأخوة”، اعتمد جمال عبد الناصر بشكل كبير على نصيحة نهرو فيما يتعلق بقضايا الأمن الدولي. وقد ظهر الصراع العربي الإسرائيلي بشكل بارز في المحادثات بين الجانبين، ولا سيما “قطاع غزة المعرض للخطر” حيث كان عبد الناصر قلقاً لأنه “منذ عودة بن جوريون، أصبحت إسرائيل أكثر عدوانية.” كما ابتعدت الهند أيضاً عن الموقف الغربي تجاه إسرائيل وكثفت جهودها لتشجيع التيار القومي العلماني في منطقة غرب آسيا.

ومن منطلق إدراكه لأهمية عبد الناصر كشريك في تحقيق الأمن الإقليمي، قام نهرو بإثناء عبد الناصر عن الانضمام إلى معاهدات الدفاع، وشجع مصر على تبنى موقف غير منحاز. وكان هذا التعاون ناجحاً للغاية في السنوات الأولى حتى أن مصر في عهد عبد الناصر والهند في عهد نهرو، إلى جانب يوغسلافيا في عهد تيتو، قد أصبحت رمزاً للوحدة بين دول عدم الانحياز في أوروبا وإفريقيا وآسيا.

لذلك، عندما قام عبد الناصر بتأميم قناة السويس، توقعت الهند أن تؤول هذه الأزمة إلى الأسوأ. بالطبع، كان نهرو حريصاً على “منع الأعمال العدائية والوصول إلى تسوية سلمية تضمن استخدام القناة كما كانت من قبل” وكان يؤكد على هذا الأمر باستمرار.

ولكن البريطانيون والفرنسيون كانوا يصرون على مواقفهم العدائية. وإزاء هذه التطورات، شعر أيزنهاور بالانزعاج، ومن ثم اقترح أن يعقد البريطانيون اجتماعاً للأطراف المعنية والمتأثرة بهذه المسألة، وهو الاجتماع الذي أطلق عليه مؤتمر لندن، والذي لم يكتب له النجاح لسوء الحظ.

وقبل أن يتم رفع القضية لمناقشتها في مجلس الأمن الدولي، شنت إسرائيل هجوماً على الأراضي المصرية في 29 أكتوبر. وبزغم إدانة هذا الصراع، أصدرت بريطانيا وفرنسا في البداية إنذاراً إلى كل من إسرائيل ومصر، ولكنهما انضمتا إلى إسرائيل في الهجوم على المطارات المصرية بعد يومين فقط.

تدخل نهرو

شعر نهرو بالصدمة والانزعاج بسبب هذا “العمل الغادر” واتخذ عدداً من الإجراءات للوساطة. عرف نهرو أن مقاومة الجيش المصري أخذت تضعف وأن “عبد الناصر على استعداد أن يضحي بحياته في المعركة.” ومن ثم، فقد تم إصدار التعليمات لممثل الهند الدائم في الأمم المتحدة أرثر لال للتعاون الحثيث مع المندوب المصري عمر لطفي. وفي 2 نوفمبر 1956، صدر قرار “التوحد من أجل السلام” برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، وهو القرار الذي دفع القوات المتحاربة إلى وقف إطلاق النار وإعلان الهدنة، وفتح الطريق لما عرف فيما بعد باسم صيغة أيزنهاور-نهرو.

قامت الولايات المتحدة بالضغط على القوى الغربية في الأمم المتحدة، بينما حشدت الهند الدول الآسيوية والإفريقية، وفي غضون يومين صدر قرار حركه 19 عضواً من آسيا وأفريقيا، وهو القرار الذي يحض على الالتزام الكامل بقرارات الأمم المتحدة السابقة والتي تدعو إلى وقف إطلاق النار.

كما صدر قرار آخر حركه كل من كندا وكولومبيا والنرويج بتشكيل أول قوة تابعة للأمم المتحدة لحفظ السلام، وهي قوة الطوارئ الدولية الأولى التابعة للأمم المتحدة. وحيث أنه لم يكن مسموحاً أن تشتمل تلك القوة على قوات من أي من الأعضاء الخمسة الدائمين، فقد تم تشكيلها بشكل عاجل حتى أن البريطانيون طلبوا من الهند: “التدخل بقوة والمساعدة في الوصول إلى تسوية سريعة.”

توجهت القوات الهندية (وهي المرة الأولى التي تقوم فيها الهند بإرسال قوات عسكرية لحفظ السلام) إلى قناة السويس يوم 15 نوفمبر 1956، وهناك تم نشرها في شبه جزيرة سيناء. تمتعت قوات حفظ السلام الهندية بسمعة طيبة حيث قامت بالمهمة التي ناشدها نهرو القيام بها “بفضل الهند وجيشها الباسل.”

مكاسب عدم الانحياز

إن دعوة الهند المستمرة في الأمم المتحدة لإنهاء الاستعمار في آسيا وأفريقيا ودعمها للموقف المصري لم يعيقها عن التوسط بين الجانبين والمساهمة بشكل أساسي في إنهاء الأزمة. كما ساهم ذلك أيضاً في وضع علاقات الهند مع منطقة غرب آسيا في قالب معين، وهو قالب لم يتغير سوى مؤخراً مع تقارب الهند من إسرائيل وولعها بها.

إذا كانت تجربة الهند مع أزمة قناة السويس تنم عن شيء فهو أن الهند قد حققت مكاسب سياسية وشهرة عالمية عن طريق تبنيها لمنهج حيادي ومشاركتها في الوقت نفسه على مستوى الأمم المتحدة، وهي السياسة التي عرفت في ذلك الوقت باسم سياسة عدم الانحياز.

لا تزال تلك السياسة مهمة بالنسبة للدبلوماسية الهندية تجاه المنطقة. ويمكن إحياء واستعادة عناصر تلك السياسة من خلال عقد نقاشات صارمة وشاملة. ولا يمكن تحقيق تقدم في صياغة تلك السياسة الخارجية إلا من خلال الالتفات إلى الخبرات السابقة لعلاقات الهند مع تلك المنطقة بالتحديد، مع عدم الاستعلاء على تاريخها بالتأكيد.

*****

كاتبة المقال زميلة مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، لندن، وزميلة زائرة بمركز أبحاث السياسة في نيودلهي. تم كتابة هذا المقال بالتنسيق مع مركز الدراسات المتقدمة للهند، جامعة بنسلفانيا.