عماد الدين حسين:رقابة تحتاج إلى رقابة!  

 

لو أن هناك رقابة فعالة من الشرطة والتموين والمحليات وسائر أجهزة الحكومة، فربما أمكن تخفيف عبء تعويم الجنيه وارتفاع أسعار الوقود وانعكاسها على سائر الأسعار الأخرى. أما إذا تقاعست هذه الأجهزة عن دورها الرقابى، فإن المواطنين خصوصا الفقراء سيدفعون الثمن الأكبر من انفجار الأسعار الأخيرة.

 

فى يوليو ٢٠١٤ اتخذت الحكومة قرارا مماثلا ورفعت أسعار المنتجات البترولية بنسب مختلفة، وفورا ارتفعت غالبية الأسعار، ومنها أسعار المواصلات الخاصة. بعدها بيومين قابلت مسئولا كبيرا جدا ضمن مجموعة من الزملاء رؤساء التحرير وكبار الكتاب ومقدمى البرامج الفضائية. يومها سألته: إذا تفهمنا ضرورة اصلاح منظومة دعم الطاقة، لماذا لا يتم تفعيل الرقابة على الأسواق وسائقى الميكروباصات حتى لا ينفردوا بالمواطن الغلبان؟!.

 

الإجابة كانت وقتها فيما معناه «إن شاء الله سوف يتم اتخاذ اللازم فى هذا الصدد». لكن بعد ان انتهى اللقاء رسميا، وقفت مع هذا المسئول الرفيع وقال لى نصا: «رقابة ايه يا أستاذ عماد.. هذه الأجهزة المسئولة عن رقابة الأسواق معظم أفرادها يتواطئون أحيانا مع التجار والسائقين ضد المواطنين، ونحن نحتاج إلى معجزة لتعود هذه الفئة كى تمارس دورها الرقابى، وربما نحتاج لرقابة على هؤلاء المراقبين!!!».

 

إجابة المسئول لم تفاجئنى يومها، فجمعينا يعرف تماما أن الفساد تفشى وتفاقم واستحكم، وطال الكثير من المواطنين خصوصا المسئولين عن مراقبة الأسواق.

 

لكن الذى يفاجئنى حقيقة هو أن الحال لم تتغير منذ هذا الوقت قيد أنملة، بل ربما استفحل والدليل العملى هو قضية فساد القمح الأخيرة وغيرها الكثير.

 

تبذل الرقابة الإدارية جهدا كبيرا فى الفترة الأخيرة، وغيرت من طريقة عملها بمنطق «الوقاية خير من العلاج» ونجحت فى منع حالات كثيرة من الفساد.

 

لكن الرقابة التى اقصدها هنا هى تلك المختصة بالأسواق ووسائل المواصلات، وهى الاخطر على الاطلاق لانها مرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين.

 

يوم الجمعة الماضى أجرى رئيس الوزراء شريف إسماعيل اتصالات هاتفية من غرفة عمليات مركز المعلومات بمجلس الوزراء، مع العديد من المحافظين، مطالبا اياهم بمتابعة الموقف الخاص بتعريفة الركوب لخطوط النقل داخل المحافظات،وألا تزيد نسبة الزيادة لأى خط ما بين ١٠٪ و ١٥٪، بما يتناسب مع زيادة أسعار الوقود.

 

المحافظون أجابوا رئيس الوزراء بأنهم اتخذوا كل الإجراءات والاستعدادات اللازمة لتطبيق تعليماته، وبعض مديرى الأمن قالوا إنهم سيقومون بجولات تفتيشية للتأكد من أن السائقين التزموا بنسبة زيادة لا تزيد عن ١٥٪.

ما سبق كلام جميل جدا، ونتمنى ان يتم تطبيقه على أرض الواقع، لكن المؤشرات والتجارب تقول ان ذلك صعب، والسبب أن الجهاز الإدارى لدينا مترهل، وعاجز وبعضه غارق لشوشته فى الفساد. بعض الذين مهمتهم التأكد من التزام السائقين بتعريفة النقل، أو بعض مفتشى التموين الذين يراقبون محطات البنزين أو محلات بقالة التموين متواطئون بشكل يعرفه القاصى والدانى.

 

فى لحظات أشعر باليأس من امكانية معالجة هذا السرطان الرهيب، والذى يجعل عددا كثيرا من صغار الموظفين فاسدين حتى النخاع، ولا ألوم هؤلاء فى المقام الاول بل البيئة التى تسمح لهم بذلك.

لو أن الحكومة الزمت هذه الأجهزة بمراقبة السائقين وموظفى الجمعيات الاستهلاكية وبقالات التموين والمخابز، وأجبرتهم علي احترام القانون، فالمؤكد أن درجة إحساس المواطنين بلهيب الأسعار ستقل إلى حد كبير. لو ان السلطات المختصة بطشت ببعض التجار الجشعين والسائقين المنفلتين فربما يتغير الوضع للافضل.

 

أحد المواطنين قال لى مساء الجمعة إن بعض سائقى الأجرة أو أصحاب البقالات فهموا زيادة الأسعار بالخطأ، معتقدين أنها فرصة لزيادة مكاسبهم، وليس فقط تعويض ما خسروه جراء ارتفاع اسعار الوقود.

غياب الرقابة سيعطل ويعرقل الكثير من خطط الإصلاح، والأخطر أنه سيزيد من إحساس غالبية الناس خصوصا الفقراء بالظلم، فهل تدرك الحكومة وأجهزتها هذا الأمر الخطير وتحاول ان تعالجه بجدية وتزرع لجان مراقبة ضميرها حي في المواقف والبقالات؟! الشروق