أحمد سليم: كيف تصبح مليونيرا ؟  

كيف تصبح مليونيرا ؟ .. كان عنوان الغلاف للعديد من الكتب التي حققت مبيعات جيدة فى فترات مختلفة .. الكتاب يشرح لك كيف تكون مليونيرا .. كتاب يقرأه الشاب والعجوز ، العامل والحاصل على الدكتوراه .. الكتاب وضع قواعد عامة ولكن لم يضع احتمالات لاختلاف الظروف بين كل فرد ولذلك لم يصبح أي من قرائه مليونيرا حتى الآن .. وكما يقرأ الجميع الكتاب .. تحول الجميع أيضا إلى محللين اقتصاديين اعرف منهم نموذجين على المستوى الشخصي احدهما كان يجيد لغة الأرقام .. يقول أرقاما كثيرة ويعطى حلولا رائعة تشعرك إن الدولة لو طبقتها ستحل الأزمة خلال أيام ، وربما خلال ساعات .. هذا الخبر تابعته فى حياته واعرفه واعرف انه لم يكن مليونيرا ، ولم يحقق نجاحا اقتصاديا فى مشروع عمل به ولكنه حقق نجاحا افتراضيا بأحاديثه الرقمية العظيمة .. واعرف أيضا صديقة لم تسجل نجاحات فى أي عمل ولكنها فجأة أطلت علينا تحمل لقب الدكتوراه رغم عدم حصولها على البكالوريوس ، وأيضا الخبيرة الاقتصادية وتمادت فقال المذيع إنها الخبيرة الاقتصادية العالمية وهى مثل صديقنا الآخر ، استطاعت إن تقدم حلولا لكل مشاكل مصر فى لحظات على الشاشة أو فى مقالات لها ولكنها لم تستطع إن تقدم حلا واحدا لفشلها المثالي فى عملها الخاص .. الكثيرون مثلهما قدما حلولا سحرية ووهمية وامتدت الحلول إلى صفحات الفيس بوك ليتحول 90 مليون مصري إلى خبراء استراتيجيين واقتصاديين وتتحول الحكومة إلى مجرد قارئ فاشل لكل هذه الحلول .. ولم ينجح كل هؤلاء فى حل أزماتهم الشخصية ، لكن الأقرب باق لأفضل لهم كان التكاسل والإفتاء والكلام ما دام ليس بحساب ولا عليه حساب .. الأزمة التي تتعرض لها مصر الآن ليست مسئولية الحكومة فقط ولكنها أيضا مسئولية مجلس نواب انتخبناه فتفرغ لإعفاء أعضائه من الضرائب وفرضها فرضا على الشعب وتفرغ لتقرير مكافآتهم ونسى أجور العاملين .. مسئولية شعب عاش فى الأحلام والوهم من 25 يناير ، وقرر أن ينتظر مليارات الدولارات الهاربة وعودتها لتقبع فى جيوبنا .. متناسيا إن ما خرج لن يعود وساهمت الحكومة بلجانها المتنوعة وسفريات هذه اللجان المتعددة وتكاليف كل ذلك فى تشجيع هذا الوهم .. واذكر انه بعد يناير بشهر نزلت من سيارتي احمل أكياس فاكهة ، وكان بواب العمارة جالسا ، رأنى من بعد ولم يقترب منى وهو الذي كان يراقبني قبل ذلك حتى يحمل عنى ما احمل وفكرت انه ربما ادخلنى فى عداد الفاسدين فانا اعمل بالإعلام الفاسد فى رأى الكثيرين . ولكنى تابعته بعد ذلك فوجدت إن ذلك أصبح سلوكه على الجميع ، وبعد شهرين آخرين سألني بقلق هي فلوس مبارك راجعة امتى ؟ وهنا انكشف السر انه بحسبة بسيطة كان قد توهم انه سيرث من مبارك وعصره حوالي السبعة آلاف دولار وبالتالي فلماذا يعمل ؟ .. هذا النموذج لم يكن الوحيد ولكنه كان واحدا من الملايين الذين توهموا إن كل المشاكل قد انتهت مع رحيل مبارك 2011 .. لم يفق هؤلاء من صدمته ولكن الحكومة ساهمت فى ذلك عندما منحتهم أمالا وأحلاما أكثر فى الفترات التالية سواء كانت حكومة الإخوان أو ما بعدها ..

 

الشعب ونوابه والحكومة مسئولون عن هذه الأزمة .. ولذا يجب أن يتحمل الجميع الحل وان يسعوا إليه ويتحملوا آلامه .. فالأزمة ليست الأولى وتاريخ الجنيه المصري أمام الدولار يتأرجح بين الصعود والهبوط فهو الذي كانت قيمته خمسة دولارات أيام الملك فؤاد ثم ثلاثة أيام فاروق وفى عهد عبد الناصر وصل إلى 5 ثم إلى دولار وثلث لتتحول الدفة إلى صالح الدولار مع بداية حكم السادات والذي شهد عهده انتفاضة شعبية ضد قرارات الدكتور عبد المنعم القيسونى نائب رئيس الوزراء للمالية والاقتصاد فى ذلك الوقت والتي رفع فيها الأسعار ليقلل الدعم ويستجيب لمطالب صندوق النقد الدولي ، ارجوا التركيز جيدا ، كان ذلك فى عام 1977 وبعد أربعين عاما ما زالت نفس المشكلة الصندوق يطالب بخفض الدعم والحكومة تخشى رد الفعل الذي حدث فى 18 و19 يناير والنواب يهددون والشعب ينتظر ليضغط فقط ولا يتحمل قسوة القرارات .

ولم يكن عهد مبارك بالأسعد حالا للجنيه المصري الذي شهد انهيارا فى عام 2003 بعد تحرير سعر الصرف وليرتفع الدولار من 3.5 جنيه إلى سبعة جنيهات ثم يستقر عند 5.5 جنيه وينهي مبارك عهده بسعر 6.5 للدولار .. ثم تحدث بعد ذلك حالة الانتحار التي يعيشها الجنيه المصري حاليا فيصل إلى 18 جنيه فى السوق السوداء متخطيا كل أحلام الذين يتاجرون به وليتحول إلى كابوس للحكومة ..

عجز الموازنة وصل إلى 312 مليار جنيه .. الدين العام ارتفع الى97% هذه ليست المرة الأولى ولكنها الأعلى والأخطر فى الثمانينات كان العجز 11% وارتفع إلى 30% وتجاوزت مصر الأزمة ببعض الإجراءات وهو ما يجب أن تعمل عليه الحكومة الآن وبقوة وعلى الجميع أن يتحمل لفترة … ألمانيا دمرت وأعيد بناؤها .. اليابان كذلك .. سنغافورة وماليزيا تحولتا إلى قوى اقتصادية ، اليونان تحاول الخروج من عثرتها .. إذن الأمل موجود ومصر تمتلك ما يعينها على الخروج من الأزمة ولكن على المسئولين أن يتوجهوا للشعب بصراحة وشفافية وبدون رسم خطط وهمية وأحلام لن تتحقق ..

علينا أن نعترف إننا فى أزمة وأزمة طاحنة وان مصر تحارب فى عدة جبهات وتشن عليها حرب من عدة جهات .. ولكنها ظروف طارئة على مصر وستمر إذا أحسن التخطيط للحلول وإذا تعاون الجميع وكف من لايعرف عن الحديث وتحول الجميع إلى العمل ..

 

هناك آلاف المصانع المعطلة يجب أن تعمل وبسرعة بدلا من بناء مصانع جديدة تبدأ من الصفر ، هناك من يحتاج ملايين قليلة ليتحول إلى طاقة منتجة تقلل من فجوة الاستيراد .. هناك أراضى زراعية تضيع وتهدد مستقبل الصادرات المصرية – المهددة أصلا والتي تواجه حربا فى كل الدول ، هذه الاراضى تحتاج إلى تفعيل قوى للقانون وعدم التراخي في المواجهة .. وهناك أيضا ألاف الأفدنة فى التحرير ووادي النطرون تنتظر نقطة ماء ونحن نشق ترعا جديدة..

 

على الحكومة أن تتوقف قليلا وتنظر فيما نملك ونصلح ما تعطل وندفع ما توقف .. هناك آلاف الشباب ينتظرون قرضا بسيطا ليبد أو مشروعاتهم والحكومة تطالبهم بضمانات بقيمة القرض .. هناك مستثمرون يهربون بسبب تعقيدات والمسئولين يرونها إنها بسيطة .. لدينا أزمة ليست الأولى وان كنا نتمنى أن تكون الأخيرة .. ولدينا حلول .. ولدينا طاقات أمل علينا أن ننظر منها فهناك خطط لتنمية سيناء وهناك مطارات وموانئ وطرق ، ولكن يبقى علينا أن نعمل وفق منهج واضح مدروس وليس منقولا من كتاب كيف تصبح مليونيرا .

نقلا عن مجلة الإذاعة والتليفزيون