مرسى عطا الله :بين البكينى والبوركينى !

أفهم جيدا أن تمنع فرنسا ارتداء التلميذات الحجاب فى المدارس خشية أن تكون بعضهن قد أرغمن على ذلك من آبائهن وأمهاتهن.. وأيضا فإننى أفهم قرار فرنسا بمنع النقاب باعتباره خطرا أمنيا يحول دون التحقق من شخصية من يرتديه وما إذا كان رجلا أم امرأة ولكن الذى يصعب على الفهم هو إقدام فرنسا العلمانية المؤمنة بالقيم الليبرالية على حظر ارتداء المايوه «البوركينى» على الشواطئ الفرنسية وهو أمر يشكل اعتداء فجا على حرية المرأة فى أن تستمتع بالسباحة وشعرها مغطى بينما يحق لمن ترتدى المايوه «البكينى» أن تغطى شعر رأسها إذا رأت فى ذلك راحة ومتعة لها.

 

والحقيقة أن الأسف والأسى لا يعود لقرار السلطات الفرنسية الذى يمكن نقضه ومراجعته قضائيا وسياسيا وإنما لأن الأمر بدا وكأنه انسياق لمناخ مسموم يسود فرنسا بعد الحوادث الإرهابية الأخيرة وأدى إلى اتساع موجة الكراهية ضد المسلمين.

 

وهنا يكون السؤال لمن يتشدقون بالعلمانية والليبرالية ويتهموننا بالتخلف عن المسار الديمقراطى… أليس ما تقومون به يتعارض مع أهم أسس ومبادئ العلمانية التى لا تسمح للدولة بفرض آرائها الدينية على المقيمين بها!

 

وإذا كان اليمين الفرنسى بقيادة مارلين لوبان زعيم الجبهة الوطنية المعادية للأجانب والرئيس الفرنسى السابق نيكولاى ساركوزى قد ركبا موجة الغضب التى تعم الشارع الفرنسى وتحبذ فرض قيود على الحريات الدينية للأقليات فإن الخطر الأكبر أن يضطر اليسار الفرنسى لحسابات انتخابية لمجاراة هذا التصعيد اليمينى والانزلاق إلى القبول بإنهاء عصر الديمقراطية الليبرالية المتوازنة التى كانت تجمع بين حقوق الحرية الفردية تحت مظلة الديمقراطية لكى يكون الخيار الأسوأ مستقبلا هو الاستغناء عن القيم الإنسانية باسم الحفاظ على الخصوصية الأوروبية …وهذا هو ما يتمناه الإرهابيون للأسف الشديد! صحيفة الاهرام