عماد الدين حسين:هل اخترق شاومينج مؤسسات أخرى؟ 

 

هل نلوم «شاومينج» وسائر المغششين، أم نلوم الحكومة وأجهزتها التى فشلت فى منع تسريب امتحانات الثانوية العامة؟!

 

فى الماضى كان يتم تسريب الامتحان بعد بدايته، الآن تم تسريب امتحان التربية الدينية قبل ساعة من بدايته. هذا الأمر يعنى أن المشكلة عند وزارة التربية والتعليم.

 

السؤال الذى يلح على ذهنى منذ تفجر الأمر يوم أمس الأول هو الآتى:

 

إذا كنا عاجزين عن مواجهة بعض صفحات الغش على مواقع التواصل الاجتماعى، وقدرتها على اختراق كل الحواجز، فكيف لا نخاف من وجود من يحاول اختراقنا فى قضايا ومسائل أكبر وأخطر من امتحان الثانوية العامة؟!

 

الامتحانات يتم تسريبها منذ سنوات، وفى كل عام يتطور الأمر وتنكشف الوزارة أكثر وأكثر، لكن من الظلم الكبير أن نحمل الأمر فقط لوزارة التعليم أو لوزيرها الدكتور الهلالى الشربينى. البعض ــ ومنهم اعضاء فى مجلس النواب ــ طالب بإقالة الوزير عقب واقعة التسرب، لكن لكى نكون موضوعيين فان الأمر أكبر من الوزير والوزارة، ويتعلق بأنه يكشف لنا أن منظومة الفساد والاهمال والتواطؤ وانعدام الضمير فى معظم مناحى المجتمع قد وصلت إلى مستويات يصعب تصورها.

 

على حد تعبير أحد أصدقائى فإن «الثانوية العامة» قد فقدت القداسة، التى كانت تتمتع بها فى نفوس الجميع، بفعل ما حدث من تراجع فى مجالات كثيرة.

 

القضية لا تتعلق فقط بمحاولات بعض الطلبة للغش، لأن هذا الأمر موجود منذ سنوات طويلة، وغالبية الطلاب الفاشلين يحاولون دائما الغش. الذى تغير هو أن الفجور جعل البعض يتعامل مع الغش وكأنه هو الأصل.

 

عام ١٩٨٢ أديت امتحان الثانوية العامة فى مدرسة القوصية الثانوية التابعة لمحافظة أسيوط. أذكر وقتها أن عددا من كانوا يحاولون الغش لا يزيد على عشرة طلاب فى مدرسة تضم كل طلاب المركز. كان أهالى المدينة يحاولون إقامة الموائد للمراقبين ليس ليسمحوا بالغش، بل ليكونوا لطفاء ومبتسمين حتى لا تتوتر أعصاب الطلاب.

 

الآن تغير كل شىء، خصوصا القيم والأخلاق، وأمس الأول، قابلت رجلا غاضبا لأن إدارة المدرسة لم تسمح له بالدخول مع ابنه إلى اللجنة، وعندما سألته، ولماذا تدخل من الأساس، قال حتى اطمئن عليه وأكون بجانبه! تخيلوا أن هذا الأب يعتقد أن من حقه الدخول إلى اللجنة مع ابنه، ويغضب لأن الإدارة منعته!

 

مرة أخرى علينا أن نناقش الأمر من وزارتين الأولى، من ناحية الأمن القومى للبلد وأن نسأل هل إذا كان هؤلاء المغششون قادرين على اختراق نظام امتحانات الثانوية، التى تقول الوزارة إنها قامت بتأمينه، فهل هناك آخرون أمثال شاومينج قادرون على اختراق بيانات ووزارات ومؤسسات وأجهزة أخرى فى مصر؟!

 

الزاوية الأخرى هى المتعلقة بانهيار القيم والأخلاق ويفترض أن ينشغل بذلك الجميع خصوصا خبراء الاجتماع والسياسة والدين.

 

قيم كثيرة كنا نعتقد أنها بخير يثبت لنا يوما بعد يوم أنها تتراجع.. استسهال الغش والرشوة واللامبالاة صارت تتفشى كثيرا بين قطاعات مختلفة من الشعب المصرى.

 

هذا الانهيار الأخلاقى وعدم القلق بشأنه هو أخطر ما يهدد المجتمع المصرى. هو أخطر كثيرا من الإرهاب والصهيونية والجماعات المتاجرة بالدين.

 

لسبب بسيط أن وجود هذا التراجع الأخلاقى هو الذى يسمح بنجاح كل هذه التهديدات والتحديات.

 

قبل أن نقبض على المسئول عن صفحة شاومينج وغيره من المغششين، علينا أن نعالج من يساعد شاومينج على الغش ويهيئ له التربة والبيئة والمناخ، التى تجعل الغش أمرا مقبولا فى المجتمع ليس فقط فى الامتحانات، ولكن فى السلع والبضائع والإعلام والسياسة! نقلا عن الشروق