أسامة كمال .. الجانب المظلم 

حتى ولو كنت قمراً فالقمر به جانب مظلم لا تصله أشعة الشمس، وهذه حقيقة ألهبت خيال العلماء والأدباء على حد سواء منذ اكتشافها، حيث نرى القمر متلألئاً، حتى وإن غطته السحب أحيانا.. بداخلنا جانب مظلم ولكننا على عكس القمر لسنا مغلوبين على أمرنا فلا يصلنا نور الشمس لو شئنا.. بيدك أن تسعى إلى النور ليضىء وجهك بأكمله وقلبك كله أو على الأقل معظمه.. أتحدث هنا عن النور الذى يأتى بصفاء النفس والنية والسريرة.

 

فى بداية شهر رمضان المعظم ستتدفق النصائح على الناس بأمور كثيرة، منها ما هو دنيوى ومنها ما يتعلق بالآخرة.. ولكن هذا المقال غير مرتبط بشهر رمضان أكثر من ارتباطه بباقى شهور العام، غير أننا يمكن أن نتخذ من رمضان بداية.. كثيرون أقلعوا عن التدخين فى شهر رمضان، وغيرهم أقلعوا عن عادات أخرى سيئة اعتماداً على الصفاء النفسى وأيضا قوة العزيمة فى هذه الأيام المباركة.

 

ولكى ينفذ النور إلى القلب لابد من إزاحة ما يعوقه من ظلمات النفس كالأحقاد والحسد والغل وانتفاخ الذات.. كلها وغيرها من مسببات الظلمة تحجب النور عن النفس فتتسبب فى آلام شديدة فى باقى الجسد.. لو تخلص البعض من حالة «السواد» الداخلى التى أصبحت طاغية قد تتراجع معها حالات التشاؤم وعدم الرضا وانعدام البركة.. قد يتهيأ للبعض أن ما يصيبنا من سوء هو من جراء أفعال الآخرين دوماً.. ولكن الواقع أن ما بنفوسنا هو السبب أحياناً وأحياناً كثيرة.

 

يقول توفيق الحكيم «العبرة أحياناً باليد التى تتناول الأشياء لا الأشياء فى ذاتها.. فاليد القذرة قد تلطخ كل نظيف.. واليد المطهرة قد تنظف كل قذر»، لعل الحكيم لم يكن يعنى نظافة اليد بمعنى الأمانة بل كان يعنى اليد المطهرة التى تمتد من جسد تطهر قلبه وتطهرت نوايا صاحبه فأصبح سبباً فى تنظيف كل ما هو قذر بدلاً من تلطيخ كل نظيف، والأخيرة عادة سادت بيننا فأصبح عجزنا عن الإنجاز سبباً أساسياً فى محاولة تلطيخ الآخرين، عن عمد أحيانا أو ظنا أننا نريد إصلاحاً. يقول تعالى فى سورة البقرة: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ».

 

ومدعو الإصلاح هؤلاء أكثر خطورة لأنهم غالباً لا ينصلحون ظناً أنهم على حق والآخرون على باطل وهم يحاولون إصلاحهم عن طريق هدمهم بكل ما لديهم من معاول هدم سواء اتخذت شكل قلم أو كيبورد كمبيوتر أو ميكروفون.. يظنون أن النجاح فى سقوط الآخرين فنصبح جميعاً ساقطين أو نتحول إلى مجتمع «لم ينجح أحد».. مقالى ليس محاولة للإسقاط على شخص بعينه أو حتى فئة بعينها ولكنه حوار مع الجميع.. فكما بدأت كل منا له جانب مظلم وأقر أننى لدى جانب أو جوانب مظلمة أحتاج للتغلب عليها فوراً لأنها أهم من الإقلاع عن التدخين الذى يضر بصاحبه والدائرة الضيقة المحيطة به فهى أكثر فتكاً بجموع غفيرة من البشر سواء بمعاول الهدم أو بنقل عدوى هذه المشاعر للآخرين فيتبعوا طريق المظلم.

 

يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، والمقصود أنه لا يبلغ الإنسان حقيقة الإيمان ونهايته حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير.. اتجه للنور اليوم وأفسح له مجالا ليدخل قلبك ونفسك بأن تطهر ولو جزءاً من جانبك المظلم.. وأنت لديك جانب مظلم حتى ولو كنت قمراً متلألئاً أو بدراً كاملاً. نقلا عن المصرى اليوم