ترتيب البيت من الداخل

بقلم ـ أسامة كمال

كثر استخدام هذا المصطلح كدلالة على وجود فوضى أو مشكلات فى أى مؤسسة، فتحتاج إلى وقفة مع النفس وإعادة الأوضاع إلى مكانها الطبيعى حتى يعود الصفاء النفسى للمكان ويعاد ترتيب الأولويات قبل الانطلاق إلى مرحلة تالية.. ورغم احتياجنا الشديد لإعادة ترتيب البيت بين الفترة والأخرى، حتى لو لم تكن هناك مشكلات، يظل استخدام المصطلح مفرغاً من معناه الحقيقى، وكل ما يحدث على أرض الواقع هو إما تصفية حسابات حتى يخلو الجو لطرف من الأطراف، أو على أفضل تقدير يتم دفن المشكلة تحت السطح، فما تلبث أن تتأجج مع أول فرصة.

 

ترتيب البيت من الداخل فى واقع الأمر يبدأ مع النفس، أو كما يقول الإمام الغزالى فى كتابه «جدد حياتك»: «ما أجمل أن يعيد الإنسان تنظيم نفسه بين الحين والحين، وأن يرسل نظرات ناقدة فى جوانبها ليتعرّف عيوبها وآفاتها، ليتخلص من هذه الهنات التى تُزرى به. وفى البيت، إن غُرفه وصالاته تصبح مشعّثة مرتبكة عقب أعمال يوم كامل، فإذا الأيدى الدائبة تجول هنا وهناك لتنظف الأثاث المغبرّ، وتطرد القُمامة الزائدة، وتعيد إلى كل شىء رُواءه ونظامه».

 

ويتساءل الغزالى رحمه الله: «ألا تستحق حياة الإنسان مثل هذا الجهد؟ ألا تستحق نفسك أن تتعهد شؤونها بين الحين والحين لترى ما عراها من اضطراب فتزيله، وما لحقها من إثم فتنفيه عنها، مثلما تُنفى القمامة عن الساحات الطهور؟ ألا تستحق النفس بعد كل مرحلة تقطعها من الحياة أن نعيد النظر فيما أصابها من غُنْم أو غُرْم؟ وأن نُرجع إليها توازنها واعتدالها كلما رجّتها الأزمات، وهزّها العراك الدائب على ظهر الأرض فى تلك الدنيا المائجة؟».

 

أتفق مع العالم الجليل فيما قاله عن النفس والتعامل معها، خاصة فى أيامنا هذه المزدحمة بالأحداث والأفكار والبشر.. وأتفق معه فى إعادة ترتيب البيت من الداخل فيما يتعلق بشؤوننا على مستوى الأسرة أو المؤسسة، وصولاً إلى الدولة والعلاقات بين الدول، لنعرف ما هى أولوياتنا ونحدد الطريق ومعالمه بعد أن ضاعت منا البوصلة وفقدنا الخريطة فصرنا نتخبط ونسير أحيانا كثيرا بغير هدى.. نحتاج إلى هذه الوقفة فى هذه الأيام أكثر من أى وقت مضى.. نحتاجها مع نهاية كل يوم وقبل بداية اليوم الجديد والعالم يتخبط، بل ويترنح تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والعقائدية والمذهبية والطائفية التى يشتعل بها العالم كله وليست المنطقة وحدها..

 

كم مرة تحدث الأشقاء فى فلسطين عن ترتيب البيت من الداخل لمواجهة الاحتلال الصهيونى، ولكنهم فشلوا فى كل مرة لأن الإرادة لم تتوافر؟ وكم من مرة تحدث عن نفس الأمر الأشقاء فى العراق المنقسم على نفسه، وفى لبنان بمعاناته، وليبيا وانهياراتها، ومصر التى لا تريد أن تهدأ من حالة الثورة المستمرة؟ لو أردنا ترتيب البيت من الداخل كل ما علينا فعله هو البدء فى ترتيب ذلك البيت، ولكن بعد أن يرتب كل منا ما بداخله، لأن مجموع النفوس المتصارعة مع نفسها يخلق جماعة متصارعة مع نفسها ومع غيرها..

 

ولو اعتبرت عزيزى القارئ أن ما أقوله لا يزيد عن عبارات نفسية، انظر إلى المكان الذى تعيش فيه.. فى غرفتك وفى بيتك وشارعك، ستجد الفوضى عارمة والمكان مليئا بتفاصيل وذكريات لست بحاجة إليها، وستجد حولك أشخاصاً وجودهم أكثر ضررا لك من فائدتهم، وبداخلك أفكار أكثر فتكاً بك من ألد أعدائك.. ولذلك كن أميناً مع نفسك وابدأ بحق فى ترتيب البيت من الداخل.. وليكن البيت الأول هو نفسك وعقلك وروحك.. المصري اليوم