“الانتهازية السياسية” في أزمة الصحافة المصرية

محمد سويد

وصلت أزمة نقابة الصحافيين المصرية مع وزارة الداخلية إلى نفق مظلم، مع غياب الحل السياسي، وحالة وصفت بالانتهازية غير المسبوقة من قبل جماعات تحمل إيدويولوجيات مختلفة

 

، استغلت الأزمة لإعادة إنتاج ما تؤمن به من أفكار.

 

وأمام الرسائل غير المباشرة التى وجهها الرئيس عبد الفتاح السيسي في خطاب له، مستخدما عبارة “مبخافش” (لا أخاف) تسع مرات في أقل من ساعة، من دون الإشارة إلى أزمة اقتحام مقر نقابة الصحافيين؛ حار المراقبون أمام عجز الدولة بأجهزتها كافة عن ايجاد مخرج قانوني، أو تقديم حل سياسي، يحول دون السماح للمتربصين بمصر في الداخل والخارج من استثمار ما آلت إليه قرارات الجمعية العمومية غير العادية لنقابة الصحافيين من مطالب باعتذار رئاسة الجمهورية وإقالة وزير الداخلية، وتشبث الطرف الآخر بالحلول الأمنية، ومحاولات التضييق والإهانة باستخدام “البلطجية والمسجلين خطر”، وحملات التشويه المتعمدة لدور الصحافة في المجتمع باعتبارها سلطة فوق القانون؛ الأمر الذي بات أشبه بالكوميديا السوداء.

 

وتعددت فصول “الانتهازية السياسية” من داخل الجماعة الصحافية ومن خارجها على اختلاف القناعات، لارتباط الأزمة بقضية الحريات التي تشغل بال الرأي العام الداخلي والمجتمع الدولي أيضا، باعتبارها أحد مؤشرات الديمقراطية، التي قامت من أجلها ثورتا 15 يناير و30 يونيو للتخلص من حكم الفرد والفاشية الدينية.

 

وعلى الصعيد الدولي، وجد العديد من القوى غير المؤيدة لحكم الرئيس السيسي، الذي لم يكن طرفا في الأزمة، وفي مقدمتها قناة تلفزيونية خليجية وصحف تركية موالية لـ”حزب العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا ومنظمات دولية ذات صلة بالتنظيم الدولي لـ”جماعة الإخوان المسلمين”، الذي بث وقائع الجمعية العمومية “خلسة” على قناة الشرق التابعة له.. وجدت كل هذه القوى ضالتها في مشهد الصدام بين الداخلية والصحافيين لمواصلة استعداء الرأي العام العالمي ضد سلطة الحكم في مصر، ولم يترك وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ذكرى إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة من دون أن يغرد ملوحا بمواجهة كل من يقف ضد حرية الصحافة أو يرهب الصحافيين؛ الأمر الذي رأت فيه نقابة الصحافيين تدخلا مرفوضا درءًا للشبهات .

 

ولم يكن الوضع داخل الجماعة الصحافية على ما يرام، وإن بدا تماسك جبهتها الداخلية دفاعا عن قضية الحريات، التى تمثل أهم شواغل مهنة البحث عن المتاعب. فمذ أن حاز يحيى قلاش، المحسوب على التيار الناصري اليساري، منصبَ نقيب الصحافيين قبل عام ونصف عام؛ وما سبقه من إسناد المجلس الأعلى للقوات المسلحة في أعقاب ثورة 15 يناير ملف المجلس الأعلى للصحافة لرموز التيار اليساري الناصري، الذى بدأ يواجه دعوات واسعة لاقصائه عن المشهد.

 

ذلك، بعد أن اصبح وجوده استثنائيا مع قرب حل المجلس الأعلي للصحافة واستبدالة بالهيئة الوطنية للإعلام والصحافة – وفقا لنص الدستور -، ومع قرب انتخابات التجديد النصفي لمجلس نقابة الصحافيين، تلك الفرصة التي سنحت لصحافيين مقربين من السلطة بتشكيل جبهة تصحيح المسار، التي انحازت إلى موقف الداخلية، وبدأت في جمع توقيعات لسحب الثقة من مجلس نقابة الصحافيين لتقديم نفسها بديلا عن التيار اليساري الناصري في قيادة الجماعة الصحافية.

 

وداخل أروقة الحكومة ومجلس النواب، لم يكن كثيرون راضين عما قامت به وزارة الداخلية من استفزاز للجماعة الصحافية بتنفيذ قرار الضبط والإحضار الصادر بحق اثنين من المعتصمين داخلها من دون استيفاء الاجراءات القانونية.

 

ولعل التسريبات، التي صدرت من البريد الإلكتروني الرسمي لوزارة الدخلية بشأن خطة الوزارة لاستعداء الرأي العام ضد الصحافيين، باعتبارهم فئة فوق القانون، تؤكد أن هناك أخطاء يجري بشأنها تحقيقات داخل أروقة الحكومة. كما أن لجان الصحافة والإعلام وحقوق الانسان أطلقت مناقشات حول آليات حل تلك الأزمة. وتقدم عدد من النواب باستجوابات ضد وزير الداخلية؛ فيما انحاز نواب آخرون إلى موقف الداخلية، ما يعبر عن حالة الارتباك في المشهد برمته.

 

ومن واقع سنوات طويلة أمضيتها في بلاط صاحبة الجلالة، أستطيع القول إن الجماعة الصحافية لم تبحث يوما عن حصانة تجعل من أعضائها سلطة فوق القانون، رغم ما يعانيه الصحافي من متاعب فى الحصول على المعلومات، وما يواجهه من مخاطر جمة للنشر عن قضايا الفساد والكشف عن المفسدين ومحاولة رفع الظلم عن البسطاء. ولم تخض الجماعة الصحافية حتى معاركها الرابحة مع النظام فى المطالبة بأجر عادل وعيش كريم، تقديرا للظروف السياسية والاقتصادية التى نمر بها.

 

ومن بين ما قرأت، أقتبس مقولة الكاتب الصحافي عبد اللطيف المناوي، أحد المحسوبين على عقلاء المهنة،: “أنا صحفي، وعضو نقابة الصحفيين، لست خائناً، ولا أعمل ضد الوطن، وأرفض تخوين الصحفيين، وأدعو إلى العمل على إقامة دولة القانون الحقيقية”.

 

ومن بين كل الحلول التي لم ترقَ إلى مبادرة أحد الأطراف بالاعتراف بالخطأ، إما أن يتحمل عقلاء المهنة ورموز الدولة مسؤولياتهم، أو نصبح جميعا خاسرين وراقصين على جسد الوطن.