“مبارزة” بين جيلين مختلفين!

"مبارزة" بين جيلين مختلفين!

بقلم : محمد نجم
كان اللقاء ممتعًا وغنيًا بالأفكار والمعلومات، على الرغم من صعوبة الموضوع وعنوانه الفلسفي «اقتصاد الفقر أم فقر الاقتصاد»؟

فقد تحول الحوار بين د. جودة عبد الخالق وزير التضامن الأسبق، ود. محمود محيى الدين النائب الأول لرئيس البنك الدولي إلى ما يشبه «المبارزة» الفكرية بين جيلين مختلفين في الفكر والممارسة والتوجه، كما أن المشاركين في الندوة التي عقدتها كلية الاقتصاد والعلوم السياسية- من الوزراء والشخصيات العامة وأساتذة الكلية تحولوا إلى ما يشبه «المحلفين» للفصل في تلك الثنائية ولكنهم لم يصلوا إلى قرار!

لقد بدأ اللقاء بهجوم كاسح من د. جودة على مؤسستي البنك الدولي وصندوق النقد، موضحًا أنه لا يجب أن نتعامل مع كل ما يأتينا من الخارج على أنه «مسلمات»، بل يجب إعمال الفكر في كل ما يطرحه الغرب لعلاج قضايانا، وضرب مثلا بالمحاولات الأمريكية لإصلاح القطاع الزراعي المصري في التسعينات من القرن الماضي، حيث صرفوا ما يزيد على 300 مليون دولار على تطوير الزراعة، كانت نتيجتها إلغاء الإرشاد الزراعي، والدورة الزراعية!

وأشار د. جودة إلى انتشار ظاهرة الفقر في العالم، 1.5 مليار فقير من بين 7.5 مليار هم عدد سكان العالم حاليا، أي بنسبة 1 من 6، فيما ترتفع هذه النسبة في مصر إلى واحد من ثلاثة!

ولذلك فقد أعلن تحفظه الشديد على منح جائزة نوبل في الاقتصاد هذا العام لثلاثة علماء أمريكان عن أبحاثهم في مجال مكافحة الفقر، وأشار إلى البيان الذي نشره 10 من كبار الاقتصاديين العالميين للاعتراض على هذه الجائزة.

موضحًا أن الفقر عبارة عن محصلة علاقة بين قادر ومغلوب على أمره وأن هذه الجائزة الدولية تمنح لأسباب سياسية، حيث حصل عليها 84 عالمًا منذ إقرارها أغلبهم من أمريكا وبريطانيا!

د. محمود محيي الدين بدأ حديثه بحمد الله.. الذي نجاه من التصنيفات السياسية والفكرية! موضحا أن البنك الدولي وصندوق النقد يقدمان مساعداتهما المالية واستشاراتهما الفنية لمن يطلبها من الدول، وأن قضية التنمية وإجراءات مكافحة الفقر، هي قضية وطنية في الأساس ويجب أن تكون محلية العمل، من خلال رفع معدلات النمو في الاقتصاد، وأن هذا الأخير لا يحدث إلا من خلال التراكم الرأسمالي عبر الزمن.

مشيرًا إلى أن سياسات وإجراءات الإصلاح لأي اقتصاد أصبحت معروفة للجميع وتتلخص في الاستثمار في البشر، مع توجه السياسات نحو المستقبل بمزيد من الادخار والاستثمار، فالخيارات واضحة؛ أما أن تكون داخل المنظومة وبقدرات ذاتية مرتفعة، أو تندم على ما فاتك وتلوم المؤسسات الدولية.

وكشف أن بيانات البنك الدولي تشير إلى انخفاض ما يسمى بالفقر المدقع باستثناء منطقة الشرق الأوسط، وضرب أمثلة بكل من كوريا الجنوبية وفيتنام ورواندا وبوروندي وكولومبيا، والصين التي استطاعت انتشال أكثر من 850 مليون من مواطنيها من حدة الفقر، كما أنهم أعلنوا أنه في عام 2020 لن يكون هناك فقير في الصين.

أما فيما يتعلق بالفائزين بجائزة نوبل في الاقتصاد هذا العام، فقد أوضح أنهم يستحقون 9 ملايين كرونة قيمة الجائزة التي منحتها لهم مؤسسة استكهولم للعلوم التي أسسها ألفريد نوبل مخترع القنبلة الذرية! لأنهم أعلوا من قيمة الاقتصاد كعلم مبنى على فكرة الحلول والبحوث التطبيقية، حيث قاموا بتجارب معملية في الحقول وعلى الفقراء في 50 دولة ولمدة 15 عامًا، وشملت أبحاثهم قرى فقيرة في كل من الهند وكينيا وأمريكا اللاتينية، وكشفت تجاربهم أن صغار المزارعين في تلك القرى لم يكونوا يستخدمون الأسمدة التي تساعد في زيادة إنتاجية محاصيلهم، لأنهم لم يعرفوها ولم يسمعوا عنها ولا عن كيفية استخدامها.

لقد كشفت الندوة ومداخلات المشاركين فيها أن الفقر ليس قدرًا محتومًا على بعض البشر، وإنما المشكلة دائما في التطبيق السليم لقواعد الاقتصاد، ثم الجدية في التنفيذ، والتجربة الصينية خير دليل على ذلك.

وبهذه المناسبة تحضرني المقولة الشهيرة لدينج شياوبنج زعيم الحزب الشيوعي الصيني السابق، ليس مهما أن تكون القطة سوداء أو بيضاء، المهم أنها تستطيع صيد الفئران، فالصين يحكمها الحزب الشيوعي منذ 70 عاما، ولكنها أفكار رأسمالية لتحقيق نهضتها الاقتصادية.

وشكرًا للصديقات د. هبة نصار ود. عالية المهدى ود. عادلة رجب على تنظيمهن لهذا اللقاء الفكري الممتع.