صندوق لتطوير التعليم

صندوق لتطوير التعليم

بقلم : محمود حبسة
لا شك أن التعليم يحظى باهتمام خاص في أي دولة تسعى للتقدم، وتحقيق الازدهار لشعبها فهو قاطرة الإصلاح التي يجب البدء بها لكي تأخذ المجتمع كله نحو الآمال الكبرى، التي يتطلع إليها الجميع وإيجاد حلول لمختلف المشكلات الأخرى، التعليم إذن يجب أن يكون له الأولوية الكبرى والمتقدمة على كل شيء ومن ثم لابد من توافر عدد من العوامل التي يؤدي توافرها إلى الوصول للغاية المرجوة من تطوير التعليم والنهوض به، وأول هذه العوامل أن تتوافر الرغبة الجادة والحقيقية لإصلاح التعليم، وأن تكون هناك إرادة حقيقة لتطوير التعليم لمواجهة العقبات التي تعترض طريق الإصلاح وتتخطى أي صعوبات، والمؤكد أن مصر لديها الرغبة الجادة والحقيقية لإصلاح التعليم، وأن هناك رؤية واضحة لتطوير التعليم بدء تنفيذها مع العام الدراسي الماضي، وإن كان هناك بعض السلبيات يجرى تلافيها وعلاجها، ولكن يبقى أن هناك مشكلتين كبيرتين تعترضان طريق الدولة لإصلاح وتطوير التعليم أولهما الكثافة الطلابية المرتفعة في كل المدارس المصرية والثانية تدنى أوضاع المعلمين المصريين، واللتين يتطلبان موازنة ضخمة تعجز عنها إمكانيات الدولة المحدودة.

مصر بلا شك قطعت شوطا كبيرا لتحقيق إصلاح جذري في قضية التعليم عكس وجود رغبة جادة في القضاء على هذا الواقع السيئ، الذي يشهده حال التعليم في بلد بحجم مصر، بدأ بمزاملة الجامعات المصرية مع مختلف جامعات العالم المتقدمة ثم هذه المصارحة والمكاشفة حول قضايا التعليم في مصر، والتي تفرض نفسها على أي لقاء للرئيس عبد الفتاح السيسي، وآخرها لقائه بعدد من شباب مصر في المؤتمر السابع للشباب في العاصمة الإدارية الجديدة، وإلى مشكلة التعليم اتخذت الدولة خطوات جادة للقضاء على عدد من المشكلات، التي كانت بمثابة أزمات مزمنة لا حلول لها، وكانت الحكومات السابقة تلجأ ولعقود طويلة إلى أسلوب المسكنات ومنها مشكلة الكهرباء والطاقة والعشوائيات التي كانت تسيء لمصر ومصدر للخطر وبؤر إجرامية ومصدر تهديد للأمن والسلم الاجتماعي، وبالفعل تم نقل أكثر من مليون مواطن للسكن في مناطق آمنة متحضرة تتوافر لهم فيها سبل الحياة الكريمة، وهناك أيضًا الرغبة الجادة من الدولة، ومن الرئيس عبد الفتاح السيسي شخصيًا لمواجهة مشكلة الفقر المدقع في عدد من القرى الأكثر فقرًا من خلال مبادرة حياة كريمة، وتم بالفعل اختيار وحصر 277 قرية لتنفيذ مبادرة الرئيس بتكاليف تصل إلى 13 مليار جنيه، ومن خلال تضافر جميع جهود وإمكانيات مؤسسات الدولة مع جهود المجتمع المدني والجمعيات الأهلية.

بنفس المنطق التي واجهت به الدولة عدد من المشكلات، التي كانت مستعصية على أي حلول، بنفس الروح التي تخطت بها الدولة المستحيل واجهت الإرهاب الأسود في الوقت ذاته كانت تبنى وتعمر وتحفر الأنفاق تحت قناة السويس، بنفس العقلية التي أوجدت بها الدولة صندوق تحيا مصر لإيجاد حلول سريعة ومبتكرة لمشكلات ملحة بعيدا عن موازنات الدولة والروتين والبيروقراطية وسلسلة الموافقات وأصبح بالفعل واقعًا يبعث على الفخر وقصة نجاح مصرية يشهد بها الجميع، أرى أن الدولة مطالبة بإصلاح شامل لمختلف جوانب قضية التعليم في مصر حتى يكون الإصلاح مثمر ويحقق الآمال المرجوة منه ولا يقف عند تغيير الكتاب إلى تابلت، وهو ما يدفعنا إلى البحث عن حلول مبتكرة وغير نمطية حلول تتحدى الواقع المحبط والأفكار البالية التي عفى عليها الزمن، حلول لأهم مشكلتين في قضية تطوير التعليم في مصر، وهما الكثافة الطلابية العالية في المدارس وتدنى رواتب وأوضاع المعلمين المادية والاجتماعية، وهما المشكلتان اللتان يتطلبان موازنة ضخمة تعجز عنها الدولة، خصوصا أننا نتحدث عن أكثر من 18 مليون طالب في مراحل التعليم قبل الجامعي، وأكثر من مليون و800 ألف معلم القضية إذن ليست بسيطة.

أرى أن إنشاء صندوق لإصلاح وتطوير التعليم ضرورة حتمية، صندوق يشارك فيه الجميع الدولة بمختلف مؤسساتها والشعب بمختلف طوائفه، وفي المقدمة أولياء الأمور، وكذلك المجتمع المدني بمختلف مؤسساته وجمعياته، على أن تحدد له موارد مثل تخصيص طابع بريد لإصلاح التعليم كالعديد من الطوابع الأخرى، وكذلك مساهمة أولياء الأمور بنسب كبيرة حسب كل مرحلة دراسية مع إعفاء أبناء الشهداء وغير القادرين بدل من دفع الأموال في الدروس الخصوصية، والتي يتحصل على نسبة كبيرة منها أناس ليسوا مدرسين بعيدا عن الشعارات البالية مثل مجانية التعليم، التي لم تعد موجودة على أرض الواقع، إضافة إلى مساهمات رجال الأعمال، وكذلك المنح التي تقدمها المؤسسات الدولية، وقبل كل ذلك تخصيص نسبة من الدخل القومي للصندوق بعيدًا عن موازنة وزارة التربية والتعليم، في مقابل قيام الدولة بتجريم الدروس الخصوصية وبناء فصول دراسية جديدة وعودة الهيبة والاحترام للمدرسة ورفع رواتب المعلمين أو على الأقل مضاعفتها كخطوة أولى والقضاء على التعددية في نظم التعليم.

أتصور أن إصلاح التعليم في مصر يجب أن يحظى باهتمام أكبر من الدولة وبنفس المنطق وبنفس الإرادة الجادة وبنفس القدرة على تجاوز الصعاب وتخطى العقبات، وبنفس العقلية التي تبحث عن حلول غير تقليدية وغير نمطية، وبنفس الروح التي بنت بها الدولة العاصمة الجديدة وحوالى 18 مدينة عصرية وبأحدث المواصفات العصرية رغم الصعوبات المادية، أتصور أن التعليم يجب أن يكون له الأولوية إن كنا جادين بالفعل في التقدم والتحضر واللحاق بركب الدول المتحضرة ، إن كنا جادين في تطوير الإنسان المصري ومده بأحدث ما توصل إليه العصر ودول العالم المتحضر من علوم ومعارف، إن كنا جادين في القضاء على مشكلة البطالة، إن كنا جادين في تخريج أجيال من الشباب قادرة على تحمل المسؤولية وحمل الراية في المستقبل، وجديرة بأن تمثل مصر في المحافل الدولية في مختلف المجالات.