إتيكيت الحاج والمعتمر

إتيكيت الحاج والمعتمر

أحمد نور الدين
عبر سلسلة من التجارب الشخصية للكاتبة هالة محجوب جاه الله التي رأتها بعينها في سلوكيات كثيرة غير سوية لبعض الحجاج والمعتمرين، آثرت أن توضح في مؤلف لها كيف يكون السلوك الراقى لهم عنوانا وعونا لهم لسمو الاخلاق في أداء الفريضة، فكان تأليفها لكتابها “إتيكيت الحاج والمعتمر” وخروجه للنور، والتي فيه تلقى الضوء على تلك السلوكيات، مصححة لها، راشدة وفد الرحمن فيه بالمظهر والسلوك القويم الذى أمرنا به رسولنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم، ليظهر حجاج بيت الله الحرام بمظهر مشرف يليق بأن يكون خريج أقدم معاهد الإتيكيت.

واتساقا مع موسم الحج المبارك، وخروج وفد الله لأداء الفريضة من كل صوب وحدب، آثرت أن نقلب معا صفحات الكتاب مع مؤلفته الآن،ليسترشدوا بهقبل رحلتهم المقدسة، -ونحن معهم – داعين الرب الكريم لهم بحج مبرور، وذنب مغفور، وعود حميد، وأن يمنَّ الله علينا جميعا بأداء الفريضة، وقبولها خالصا لوجهه العظيم.
قسمتالكاتبة هالة محجوب جاه الله كتابها لثلاثة أقسام، الفصل الأول اردت فيه اتيكيت النظافة، المعنوية، والخلقية، الحسية، والفصل الثانى اتيكيت النظام، وفيه سلوكيات الحجاج والمعتمرين الصحيح في الصلاة، واستخدامهم المصعد، والطرقات والمطارات، والفصل الثالث، تحدثت فيه الكاتبة عن العبادة، والعلم، والذكر، وخفض الصوت، وقد قصدت من هذه الكلمات الوصول لصورة جميلة راقية للمسلم عامة، وللحاج والمعتمر بصفة خاصة، ولكل باحث عن الإتيكيت والرقى فى التعامل.

ذكرت الكاتبة الباحثة هالة محجوب جاه الله أسباب تأليفها لكتابها “إتيكيت الحاج والمعتمر” قائلة: “إذا أردنا الوصول لشخصية تتبع فنون وقواعد الإتيكيت فما علينا سوى اللجوء إلى الآداب الإسلامية، وكذلك على الحاج والمعتمر أن يكون نموذجَا حيا تتجلى فيه هذه الآداب، لا أن يكون صورة للفوضى، أو عدم النظافة، أو مضايقة الآخرين، فبدأت بالفكرة وأنا بأرض الحرمين الشريفين”.

تحت عنوان الإخلاص أساس قبول العمل، تقول الكاتبة هالة محجوب: عزيزى الحاج والمعتمر، عليك أن تقصد بعملك وجه الله عز وجل، وأن تنقى عملك من أى شائبة قد ترده إليك فلا يقبل؛ فالنية الصادقة أثناء أدائك للمناسك وفقا لما أمر به الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) هو أساس قبول حجتك وعمرتك، وسائر أعمالك، فليس الهدف أن تأخذ لقب الحاج فلان، وفى حسن الظن تذكر أن من الأمور المهمة تنظيف القلب من سوء الظن، والتحلى بحسن الظن، وأعنى به ترجيح جانب الخير على جانب الشر، فاحذر سوء الظن فهو دليل على عدم كمال الإيمان وحسن الإسلام؛ عن أبى هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم “، فعليك – عزيزى الحاج والمعتمر– أن ترجح جانب الخير فى إخوانك ورفقائك فى هذه الرحلة المباركة، وألا تقف لهم على توافه الأمور معتمدا على سوء الظن بهم، ولا تعكر صفو رحلتك، وتجنب الغيبة والنميمة.

وتحت عنوان الإيثار تقول الكاتبة هالة محجوب: الحب لكل هؤلاء البشر الذين اجتمعوا على اختلاف لهجاتهم وألوانهم، جمعتهم رابطة العقيدة والدين والقبلة الواحدة، فلن يكون هناك تواصل بينهم ولا تعاون بدون الحب، علينا دائما مراعاة مشاعر الجميع، ووضع نفسك فى كل حركة وعمل مكانهم، فإذا فعلت شيئا قد يصيبك الضيق إذا فعلها غيرك لك فلا تفعلها لغيرك؛ لأنه بالتأكيد سيصيبه الضيق مثلك تماما، وإذا قدم أحد لك شيئا -وما أكثر ما يقدم- فلا داعى للأنانية والتزاحم، ومضايقة من يقوم بالتوزيع لأخذ المزيد، تذكر خلق الإيثار، تذكر أن لك بطنا واحدة، ابتعد عن هذه السلوكيات، ارض بما أخذته، واترك المجال لغيرك، فأنت فى أرض تجسدت عليها معانى الحب والإيثار.

وعن توجيه الكاتبة ضيوف الله لسلوك الرحمة تقول: مساعدتنا تكون بالمحافظة على نظافة المكان (الحمامات والشوارع والطرقات)، فلا تلقِ أىشئ إلا فى المكان المخصص له، وعلى من يصحب معه أطفال مراعاة أن يكونوا بالحفاضات حتى لا يلوثوا المكان، فهل يعقل أن يبول الطفل، ويتحرك من مكان لآخر، وتحمله أمه لا تبالى بتلوث ملابسها هى، ويأتى غيرها وتتلوث ملابسه دون أن يشعر؟! كذلك بالنسبة لكبار السن والمرضى الذين لا يستطيعون التحكم فى أنفسهم لضعف قدرة المثانة على تخزين البول، فيمكن مراعاة ذلك بالجلوس بالقرب من الحمامات، واستخدام الحفاضات، ليفعل الجميع كل ما فى وسعه أولا، فإذا حدث شئ فلنرفق به، ولنتذكر أنه سيأتى علينا هذا اليوم الذى تضعف فيه أجسامنا، وربما لا نستطيع التحكم والسيطرة على أنفسنا.

وتتوجه كاتبتنا الى ضيوف الرحمن بتعريفهم اتيكيت الحلم وكظم الغيظ فتذكرهم: الغضب بين الناس يكون بسبب أمور تافهة، قد يفعل الإنسان أشياء تضايق الجميع من حوله، ويخطىءفى حقهم لكنه لا يلتفت إلا لأخطائهم، ويثور ويغضب عليهم غير منتبه لأفعاله، فلا تنسى أنك فى رحلة روحانية عالية، اضبط نفسك، ولا تفعل ما ينافي هذا الجو الروحانى، وتذكر مقولة الفاروق عمر – رضى الله عنه – “الحج قليل، والركب كثير”.

وتحت عنوان نظافة الجسد والملبس تذكر الكاتبة هالة محجوب: يجوز خلع ملابس الإحرام، وغسلها واستبدالها بأخرى نظيفة، حتى لا يؤذى أحد من بجواره برائحة كريهة، فكن عنوانا تتجلى فيه شعائر دينك، واعكس صورة جميلة لك ولبلدك أمام الجنسيات الأخرى، فدينك أساسا مبنى على النظافة والطهارة،وابتعد أخى الحاج والمعتمر عن هذه السلوكيات: عدم العبث بإصبعك فى أنفك، واستخدم المناديل الورقية؛ واحترم مشاعر الناس حولك، فعن النبي صلي الله عليه وسلمقال: “عرضت عليَّ أعمال أمتي حسنها وسيئها ، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ، ووجدت في مساوئ أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن”، فلا تبصق على الأرض مهما كلفك الأمر، كما ينبغى لوفد الله الالتزام بتنظيف المكان الذى جلست فيه قبل مغادرته، فلا تترك الأكواب وزجاجات العصير، والمناديل الورقية، وفضلات الطعام؛ لن تستغرق منك إلا ثوانى، بها ترحم إخوانك من العمال الذين يقفون طوال الوقت ينظفون مكانك.

وهكذا تستمر كاتبتنا عبر رحلتهاالمباركة لتعريف وفد الرحمن بإتيكيت وسلوك أداء الفريضة السوي، فتذكر فيما بعد اتيكيت نظافة حجراتهم بالفندق، وحثهم بالحرص على استخدام أدواتهم الشخصية فقط، وعدم استخدام أدوات الآخرين، وتشديدها لهمعلى نظافة الحمامات قائلة: من صور الرحمة مع عمال النظافة، ومن الذوق واللياقة مع مستخدمى الحمامات، أن تتذكر دائما أن غيرك سيستخدم هذه الحمامات، فلا تتركها متسخة، ثم تذكر آداب واتيكيت استخدام المصعد، وسلوكيات إنهاء إجراءات الدخول والخروج من المطار، خاتمة بذكر إتيكيت الرجوع إلى الأهل.

والحق أشهد أنه جهد طيب مبارك، وسعى مشكور حثيث من الكاتبة الباحثة هالة محجوب، تجاه تعريفنا ووفد الله لتلك الاخلاق والاتيكيت الاسلامىوالنبوى الشريف، الذى يؤكد للعالم أجمع أن ديننا الاسلامى، دين النظام، والنظافة، والرقى، والتحضر، وأن الفضل والخيرية فيه، وأن العيب فينا نحن المسلمين بتخلينا وبعدنا عن تعاليمه ومبادئه وسلوكياته وأخلاقه الراقية.. الله أسال أن يردنا الى ديننا ردا جميلا، وأن يرزقنا مانَّا علينا بأداء الفريضة المباركة.. وكل عام انتم بخير.