طهارة القلوب.. وآداب المجالسة

طهارة القلوب.. وآداب المجالسة

بقلم : محسن عبدالستار
فضائل الإنسان لا تظهر بحديثه عنها، بل على العكس قد تنقلب إلى رذائل لمجرد أنها تذاع على لسانك، فضلًا عما هو معروف دائمًا من اتهام كل من يتحدث عن نفسه، والنفور منه.. والبعد عن مجالسته.

الإنسان في مجالسته الآخرين، إما أن يكون محدثًا أو مستمعًا.. فإن كان يستمع إلى رئيس في العمل، فعليه أن يركز انتباهه كله إلى حديثه ليعلم ما هو مكلف به ومطلوب منه، وبالتالي القيام به على أكمل وجه، ويستتبع هذا بالطبع إلزام بعض أعضاء الجسد وضعًا خاصًا، فلا تشغل طرفك عنه بالنظر إلى غيره، وعدم الاهتمام واللامبالاة بما يقال وتكلف به في الاجتماعات الدورية.. صفة سيئة لمن يفعلها.

أما إذا جلس الإنسان إلى عالم، أو أستاذ، أو من هو أكبر سنًا أو خبرة بوجه عام، فمن اللائق أن يظهر له شعور الحاجة إلى المعرفة والتعلم، فهو شعور طيب يتطلب من الإنسان أن يطرح ما لديه من أسئلة، ثم ينتظر الإجابة عنها.. ومن الواضح أن انتظار الإجابة لا يتسق وكثرة التدخل في الحديث بالمقاطعة، أو الملاحقة، أو التعقيب، بالقبول أو الرفض.

صحابة النبي الكريم، كانوا رضي الله عنهم جميعًا، على غاية من الأدب واللين والحياء إذا جالسوا الرسول، صلى الله عليه وسلم، لأنهم تلامذته قبل أن يكونوا أصحابه، اختارهم الله عز وجل لصحبته، فطهر قلوبهم وزكى نفوسهم.. فاستحقوا الثناء والرفعة، وصاروا خير أمة أخرجت للناس.

كان الصحابة يطرقون رؤوسهم في حضرته، إن تكلم سكتوا، وكأن على رؤوسهم الطير، لا يرفعون أصواتهم أمامه، بل يلتزمون الصمت وخفض الصوت، فإذا سكت تكلموا، وكانوا يتواصون بذلك فيعلّمون الجاهل ويذكّرون الغافل طمعًا في الثواب من الله سبحانه وتعالى ومحبة الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، واستجابة لأمر الله تعالى الذي قال في محكم آياته: “يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون، إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم”.. (سورة الحجرات).

الصديق الذي يتفضل على صديقه بمعروف أو يتفوه بكلمة عن هذا المعروف، أو يأتي بإشارة عما قدمه إليه.. ينقص من قدر الصداقة، التي تتطلب التضحية بكل غالٍ ونفيس من أجل الصديق، فالفرد إذا قدم معروفًا لأحد لا يتبعه بالمن والأذى، بل عليه أن يحاول نسيانه، والتهوين من شأنه ما أمكن إذا جمعه لقاء بالشخص الذي قدم له المعروف، فإنه بذلك يعظم في عين الصديق، ويتمكن من قلبه.

يوجد عضو في جسم الإنسان، من أخطر الأعضاء ألا وهو اللسان، عبارة عن آلة حادة، ذات وظيفة خطيرة في حياة الإنسان داخل المجتمع، يمكن أن تستخدم استخدامًا عاقلًا فتصبح في صالحه، كما يمكن أن تستخدم استخدامًا منحرفًا أو غير منضبط فتصير من أهم عوامل فشله في علاقاته مع الآخرين.

ولقد أخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، أن بداية الإيمان استقامة اللسان، فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: “لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه”.. فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

وخير مثال نسوقه لآداب المجالسة، عندما جلس أمين الوحي جبريل، بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه- وهذه جلسة المتعلم المتأدب الواعي- فسلم عليه بعد الاستئذان وسأله عن الإسلام، والإيمان، والإحسان، وفي هذا العمل العظيم تعليم للأمة كلها الأدب وحسن الجلوس بين يدي المعلم والأستاذ.