.. ورب ضارة نافعة!

.. ورب ضارة نافعة!

بقلم : محمد نجم
انتهت البطولة الإفريقية، ولكننا «لن نكفي على الخبر ماجورًا» كما يقول أهلنا في الأرياف، فالجماهير المصرية ما زالت غاضبة ومستنكرة للخروج المبكر للمنتخب القومي من تلك البطولة التي نظمناها على أرضنا، أي في ملاعبنا وبحضور جماهيرنا التي خذلها هذا المنتخب.

ولا شك أن الحزن الشديد الذي أصاب تلك الجماهير الوفية لم يكن بسبب «الخروج»، فتلك طبيعة مباريات كرة القدم، وهي دائمًا بين مكسب وخسارة، لكن الحزن كان وما زال بسبب «الصورة» السيئة التي ظهر بها منتخبنا مقارنة مع المنتخبات الأخرى التي شاركت في البطولة ووصل عددها إلى 24 منتخبًا ومنها من كان يشارك لأول مرة.

وأعتقد أن الجماهير لديها كل الحق فيما طرحته من تساؤلات عديدة لم تحصل على إجابات مقنعة عنها حتى الآن.

وفي رأيي.. أن ما حدث كان نتيجة طبيعية لعدم المحاسبة الجدية بعد التمثيل «غير المشرف» والخروج المبكر أيضا من مسابقة كأس العالم والتي أقيمت في روسيا العام الماضي.

لقد شغلنا القائمون على «المنظومة» بتغيير المدرب، ولكن ظلت ريمة على عادتها القديمة، حيث فساد في اختيار أعضاء المنتخب، وقصور في تدريبهم، وسوء في الإدارة.

لقد سارع اتحاد الكرة وقتها بالعودة إلى المنافسات المحلية وشغل الناس بمباريات الدوري والكأس، وخناقات رؤساء الأندية، وخلافات جماهير الأهلي والزمالك.

لقد «كفينا على الخبر ماجورًا» ونسينا ما حدث.. من سوء اختيار مقر إقامة المنتخب، وفتح معسكر الإقامة لكل عابر سبيل، بخلاف سرقة الملابس، وبيع تذاكر، واصطحاب الأهل والأحباب وعدم تدقيق الحسابات من إيرادات ومصروفات.

لقد تعاملنا مع اتحاد الكرة وكأنه «جمهورية مستقلة» غير خاضعة للحساب أو التقييم، ومن ثم تمكن الفساد وتوحش.. وحصدنا نحن النتيجة المؤسفة في البطولة الإفريقية.

قارن ذلك.. مع أداء بعض الوزارات والجهات المسؤولة في الدولة، فعندما تلقت التوجيه السياسي بضرورة الاستعداد الكامل لاستضافة البطولة الإفريقية في مصر وقبل موعد إقامتها بخمسة أشهر فقط، تحولت تلك الجهات إلى ما يشبه «خلية النحل» حيث العمل المتواصل وبدقة وكل حسب اختصاصه والمهام المكلف بها.

وكانت النتيجة؛ أكثر من ستة ملاعب بمحافظات مختلفة أعيد تجهيزها بأحدث المعدات والإمكانيات، وتنظيم ممتاز لدخول وخروج الجماهير من هذه الملاعب باستخدام التكنولوجيا الحديثة التي تساعد على توفير الأمن والراحة للجماهير.

وأيضا تأمين شامل وذكي لكافة المشاركين في البطولة من لاعبين وإداريين ومنظمين إلى آخره.

وقد أشاد جميع المتابعين للبطولة على المستوى الإقليمي والدولي بحُسن التنظيم وكرم الضيافة المصري، لأن النتائج دائمًا ما تكون معبرة عن المقدمات، فقد أحسنت الجهات المعنية عملها ولم تدخر جهدها في مناقشة كافة التفاصيل ووضع السيناريوهات المختلفة لإنجاح البطولة.

ولكن اللاعب الأساسي- الذي وقفنا خلفه جميعا- وهو اتحاد الكرة قد خذلنا، لأنه ببساطة لم يفعل ما فعلته الوزارات والجهات المصرية الأخرى.. أي لم يستعد بما هو مطلوب، ولم يحسن الاختيار، وترك الموضوع برمته للمدرب ومعاونيه!

ولكن لماذا لم يقم اتحاد الكرة بما كان يجب عليه القيام به؟ لأنه لم يحاسب على نتائجه السيئة في مسابقة كأس العالم، واعتقد أن تلك البطولة لن تختلف عما سبقها، وإذا فزنا.. فسوف تحتفل الجماهير بالفوز وتسعد به، بل إنها قد تقدم الشكر لأعضاء الاتحاد!

وإذا خسرنا.. وهو ما حدث.. فسوف تحزن الجماهير لأيام قليلة، ثم يشغلها الاتحاد بالعودة السريعة لمباريات المنافسات المحلية.

ولكن من حظه السيئ.. أننا لم نخسر فقط، ولكننا لم نلعب أصلا، وعدينا الدور الأول ببركة دعاء الجماهير، وعندما جد الجد وبدأت المنافسة الجدية انكشف المستور.. وظهرت الحقيقة التي تأخرت بعض الوقت.

وبالطبع.. فإن خبطتين في الرأس.. بتوجع كثيرًا، وكان لا بد من الإقالة أو الاستقالة.. وحتى لا يتعرضوا للأولى.. سارعوا بالثانية! والأمر لم يتوقف عندها فقد بدأت التحقيقات والمساءلة.. وسوف يتلقى من أخطأ أو قصـر العقاب المناسب إن شاء الله.

نعم.. كان خروجنا المبكر من البطولة التي نظمناها على أرضنا.. ضارة كبيرة ومؤلمة.. ولكن رب ضارة نافعة، فقد وضعت النقاط على الحروف، وعجّلت برحيل هذا الجيل الذي فسد ونشر الفساد في كل مكان داخل المنظومة الكروية!

ومع ذلك.. ومن جهة أخرى فالمكاسب لا تعد ولا تحصى، لقد أثبتنا للعالم جديتنا وقدرتنا وأننا ننتمي لحضارة متفردة ما زالت تشغل العالم بما تركته من آثار تكشف عن العزم والقدرة.

نعم.. نحن خير خلف لخير سلف.. نحن مصر القوية القادرة على الإنجاز في وقت قياسي.

نعم لقد كسبنا احترام العالم وإعجابه..

وسوف نعيد ترتيب البيت الكروي بجدية وشفافية ونزاهة، وسوف نعود أقوى مما كنا عليه إن شاء الله.