المنوفية تحيى الذكرى لـ”113″ عاماً على مذبحة دنشواي

المنوفية تحيى الذكرى لـ"113" عاماً على مذبحة دنشواي

ايجى 2030 /
تحل في هذه الأيام ذكرى الملحمة الوطنية التي كان أبطالها فلاحي قرية دنشواي التابعة لمركز الشهداء بمحافظة المنوفية، في المذبحة الشهيرة التي قام بها الاحتلال البريطاني بمصر في 13 يونيو من عام 1906.

فمنذ أن تطأ قدميك مشارف قرية دنشواي تستشعر بطولات الأجداد وتجبر قوات الاحتلال، وكأنها وليدة الأمس القريب وليس 113 عاما ماضية، تشم روائح الدماء الطاهرة التي سالت على الأرض، وما زالت يتحاكى بها الأحفاد من كل بقاء المنوفية.

ولكون المذبحة ملحمة وطنية جسدت استبسال فلاحي المنوفية، فقد تم وضع حجر أساس لمتحف دنشواي عام 1961 بنفس مكان وقائع الإعدامات والجلد، ليجسد أمجاد وبطولات المصريين ضد الاحتلال البريطاني، ومجازر الاحتلال في مصر.

وقررا محافظة المنوفية أن تسجل يوم 13 يونيو عيدًا قوميًا لها ليتذكره الأجيال، وأن يحتفل به المنايفة من كل عام من خلال افتتاح عدد من المشروعات القومية ومشروعات المنفعة العامة، إلا أن هذا العام قررت المنوفية أن تحتفل بشكل مختلف من خلال تنظيم مسيرة شبابية احتفالٌا بذكرى العيد القومي والملحمة الوطنية الأشهر في التاريخ.

وبرصد سريع لمحتويات متحف دنشواي، حيث الممر الطويل الموجود في آخره مشنقة وبجوارها تمثال لسيدة تصرخ خوفا من إعدام نجلها مع المتهمين، ومن ورائها فلاح مقيد اليدين ينتظر دوره للشنق، هذا التمثال كما رواه رجب شوقي، مرشد بالمتحف، يعبر مدى قوة الفلاح المصري وعدم اكتراثه بأحكام الإعدامات الظالمة.

كما يوجد بالمتحف صور ورسومات المذبحة، وصور أخرى لهيئة الدفاع وهيئة المحكمة، وقاعة كبيرة مرسوم على جدرانها أحداث المذبحة وتنفيذ الأحكام الصادرة من الإعدام والجلد، ومأساة نساء القرية، أيضا تم تجسيد على جدران المتحف ما فعله الزعيم مصطفى كامل ومحاولاته المستميتة في إنقاذ باقي المتهمين من أحكام الحبس.

وبالعودة إلى عام 1906 وبالتحديد في يوم 13 يونيو نسترجع أحداث الملحمة الوطنية، عندما قام 5 ضباط من الإنجليز بزيارة قرية دنشواي لصيد الحمام بعد أن علموا بانتشار سلالات جيدة من الحمام داخل القرية، حاملين معهم أسلحة الخرطوش للصيد، في نفس الوقت كان فلاحي القرية يقومون بحصد القمح وتدريسه وتخزينه في الجرن المخصص له، حتى أصابت إحدى الطلقات قدم السيدة ”أم محمد“ فلاحة من قرية دنشواي، دخلت على إثرها في غيبوبة فظن أهل القرية أنها توفت، أيضا تم إشعال النيران في جرن القمح بسبب الخرطوش.

بعدها قام الأهالي بحبس ثلاثة من الضباط الإنجليز داخل القرية بعد أن نجح اثنان منهم في الهروب من القرية، إلا أن القدر لم يكن رحيمًا بأهالي القرية وسقط أحد الضباط الهاربين متوفيًا نتيجة ضربة شمس أصابته داخل قرية سرسنا، وبالرغم من محاولة ”السيد أحمد سعيد“ إسعافه إلا أن الضابط الأخر قام بضربه على رأسه بالبندقية ليسقط أول شهيد من أهالي المنوفية ويطلق عليه بعد ذلك «شهيد المروءة».

وفي خلال ساعات نجحت قوات الاحتلال في محاصرة القرية والقبض على 52 متهما من الفلاحين، وتم تشكيل هيئة المحكمة لتتكون من ”بطرس غالي باشا، رئيس المحكمة، وفتحي زغلول بك، ومستر هيتر، ومستر وانتر بوته، والمدعى العمومي إبراهيم الهلباوي“، والذي كان متطوع للدفاع عن المتهمين قبل قيام قوات الاحتلال بدفع رشوة له قيمتها 300 جنيه ليطالب بعدها بالإعدام والعقوبات المشددة للمتهمين.

وفي 28 يونيو من عام 1906، قام قوات الاحتلال باصطحاب المتهمين من دنشواي إلى محكمة شبين الكوم سيرا على الأقدام بعد أن تم نصب صوان كبير أمام المحكمة ودعوة جميع المسؤولين بمحافظة المنوفية لحضور النطق بالحكم ليكونوا عبرة لأي منوفي يتجرأ على ضباط قوات الاحتلال، وبذلك يصبح الحكم على أهالي دنشواي هو أسرع حكم في التاريخ.

وحتي يعطي الاحتلال شرعية للأحكام الظالمة قام بتكليف هيئة للدفاع عن المتهمين مكونة من ” أحمد لطفي السيد بك، وإسماعيل عاصم بك، ومحمد يوسف بك(متطوع)، حتى أرسل اللورد كرومر منطوق الحكم، لينطقه بطرس غالي باشا، رئيس المحكمة، ليحكم على كل من ”الشيخ حسن على محفوظ، والسيد عيسى سالم، ويوسف حسن سليم، ومحمد درويش زهران“ بالإعدام شنقا، وعلى 8 فلاحين بالجلد، و9 أخرين بالأشغال الشاقة المؤبدة، وبراءة الباقي لعدم ثبوت أدلة إدانة عليهم.

وفور النطق بالأحكام تم ترحيلهم مرة أخري سيرًا على الأقدام من أمام محكمة شبين الكوم إلى قرية دنشواي بعد أن تم نصب المشنقة وأماكن الجلد، وابتدأ المشهد الأكثر مأساة عندما تقدم الشيخ حسن علي محفوظ للمشنقة تحت سمع وبصر زوجته وأولاده وأقاربه وجميع أهالي القرية، ليصدر الضابط المصري أوامره للعسكري المصري بسحب يد المشنقة ليسقط الحبل بالشيخ العجوز معلنا استشهاده، ويأتي دور السيد عيسى سالم، ثاني المتقدمين لحبل المشنقة الذي لم يختلف المشهد عن سابقه، ثم يوسف حسن سليم، ثم محمد درويش زهران.

لم يكتف الاحتلال بقتل وتعذيب أهالي دنشواي، بل قاموا بإصدار أوامرهم للضباط والعساكر المصريين بأخذ جثث الشهداء ودفنها في مقابر القرية دون أن يصرحوا بأماكن دفنهم لأحد.

في ذلك الوقت كان الزعيم مصطفى كامل يعالج في فرنسا، ومن المعروف أن فرنسا كانت العدو اللدود لبريطانيا، فراسله محمد نجيب وأبلغه بتفاصيل ما حدث لأهالي دنشواي، لينشر مصطفى كامل تفاصيل المجازر التي يفتعلها الاحتلال البريطاني بالمصريين ليعلن بعدها اللورد كرومر استقالته في 13 إبريل من عام 1907، ولم يهدأ الزعيم الوطني إلا بعد أن استطاع الإفراج عن التسعة متهمين المحكوم عليهم بالأحكام المؤبدة، وهم رسلان السيد علي_ أحمد محمد السيسي_ عبده التقي_ على شعلان_ محمد علي سمك_ محمد عبد النبي المؤذن_ محمد مصطفى محفوظ_ العيسوي محمد محفوظ_ أحمد عبدالعال محفوظ“.