سوسن.. «بدر» الدراما الرمضانية .. أداؤها مبهر فى “زى الشمس” وتقدم دروسا فى فن التعبير.. بالعين

سوسن.. «بدر» الدراما الرمضانية .. أداؤها مبهر فى "زى الشمس" وتقدم دروسا فى فن التعبير.. بالعين

سألت الزعيم عادل إمام قبل سنوات بعيدة: فى رحلتك الطويلة على خشبة المسرح.. مَن أكثر ممثلة استمتعت بوقوفها أمامك؟.. أجاب بدون تفكير: سوسن بدر.. يا سلام عليها.. دى غول تمثيل!.. وقد لا يعرف كثيرون أن سوسن بدر كانت بطلة (الواد سيد الشغال) وتألقت فى أداء الشخصية التى أصبحت من نصيب مشيرة إسماعيل.

كانت إجابة عادل إمام حينها غريبة واختياره لغزاً بالنسبة لى، ولكن الأيام والتجارب والأدوار جعلتنى أستخدم نفس عبارته: يا سلام عليها.. دى غول تمثيل!

فى دراما رمضان 2019 أثبتت سوسن بدر بأدائها المذهل والمبهر فى مسلسل «زى الشمس» أنها ممثلة استثنائية، ولا أبالغ عندما أٌقول إنها النسخة المصرية من أسطورة التمثيل العالمية ميريل ستريب، التى يجمع النقاد على أنها (أعظم ممثلة حية)، بأدائها المتفرد وموهبتها الساطعة التى رشحتها لجائزة الأوسكار 21 مرة ونالتها 3 مرات، ورشحتها لجائزة الجولدن جلوب 29 مرة وتوجت بها 8 مرات، وهى أرقام قياسية لم تحققها ممثلة قبلها، ولا أظن أنها ستتحقق بعدها.

وأعظم ما تتميز به ميريل ستريب أنها لا تمثل، ولا تدعك لحظة تشعر أنها تمثل، بل عليك أن تصدق بلا ذرة شك واحدة أنها الشخصية التى تؤديها أمامك على الشاشة، هى نفسها تقول إن وظيفة الممثل الوحيدة هى الدخول إلى حياة أشخاص مختلفين عنه، وأن يصدّر للمشاهد شعوراً طاغياً أنه هذه الشخصية المختلفة.

سوسن بدر ابنة نجيبة لتلك المدرسة ولهذه النجمة.. وفى (زى الشمس) تصل سوسن إلى ذروة شاهقة من الإبداع، وكأنها تتوج خبرات تراكمت، وموهبة صقلتها السنين، وتثبت أن النجومية ليست فى تصدر التترات والأفيشات.

مثلها كمثل ميريل ستريب، تشعر أنها تستمتع قبلك بتمثيلها وأدائها، قبل أن تنقل إليك المتعة.. وفى سبيل تلك الحالة من نشوة الأداء يمكنها أن تفعل كل شىء وتضحى بكل شىء لتصل إليها، بما فى ذلك أن تظهر بلا أى ماكياج وبشعرها الأشيب، وهو أمر لو تعلمون عظيم للممثلات التقليديات، فهن دائماً كاملات الزينة والماكياج، حتى ولو كان فى مشهد يستيقظن فيه من النوم!

يحسب لكاملة أبوذكرى المخرجة الأولى للمسلسل (قبل أن يستكمله سامح عبدالعزيز) ذكاءها فى اختيار سوسن بدر لدور الأم، لأنه بالفعل أصعب أدوار المسلسل، ويعتمد على التعبير الصامت بالمشاعر وليس الكلمات، وهو أصعب أنواع التمثيل، ويحتاج إلى ممثل ينتمى إلى فصيلة (العتاولة).. وكان زميلنا الناقد الموهوب محمود عبدالشكور من أوائل الذين تنبهوا إلى أداء سوسن بدر المبهر فى الحلقات الأولى، فكتب بلا تحفظ، وهو الناقد الرصين: «سوسن بدر فى دور الأم فى حلقات (زى الشمس) تعيدنا إلى زمن الممثلات الكبيرات، هذا الوجه الذاهل الذى لا يريد أن يعترف بالفقد، يؤثر فينا بصورة أكبر من أى انفعال خارجى أو بكاء صاخب.. من المستحيل أن يصل ممثل أو ممثلة إلى هذا الأداء بدون استحضار انفعال داخلى عميق وصادق، وبدون أدوات تترجم هذا الانفعال، يضاعف من التأثير أن هذه الأم قوية بالأساس، وبالتالى يصبح حزنها أكثر إيلاماً. لا تجد هذا الأداء القوى إلا عند حفنة من الممثلات، كالراحلة محسنة توفيق، حيث تذوب الموهبة فى الصنعة بأمر ذاكرة انفعالية ثرية، فيتجاوز تعبير الوجه وحزن العيون كل الكلمات».

فى الحلقات تؤدى سوسن شخصية مركبة وصعبة، تتقلب بها الأحوال والمشاهد والمواقف، أنثى محبة للحياة رغم مسئوليتها عن ابنتين، تتعدد زيجاتها بعد والدهما، وترث عنها ابنتها الكبرى (فريدة) عشقها للحياة، ولكن بصورة مضاعفة، فتنطلق بلا قيود، وتوقع نفسها وتوقع أمها وشقيقتها الصغرى (نور) فى ورطات شديدة ومطبات صعبة.. وفى كل موقف وكل حالة، أنت أمام ممثلة قديرة تعرف كيف توصل المعنى بنظرة عين.

سوسن بدر من عشاق التفاصيل الصغيرة، هى لا تمثل والسلام، ففى كل مشهد تشعرك أنك تعيش معها حياة كاملة مكتملة التفاصيل.. ففى مشهد بسيط تجهز فيه سندوتشات المدرسة لأحفادها الثلاثة، أبناء (فريدة) المقيمين معها، لو دققت فى المشهد ستلاحظ تفاصيل صغيرة جداً لا يحرص عليها سوى (عتاولة) التمثيل، وهو ما يذكرنى بحكاية سمعتها من الفنانة الكبيرة سميرة عبدالعزيز، فقد حكت لى أنه أثناء تصوير مشهد فى مسلسل (ضمير أبلة حكمت) تتناول فى بدايته سيدة الشاشة فاتن حمامة رشفات من فنجان القهوة، وهو (شوت) لا يستغرق لحظات على الشاشة، فإذا بها توقف التصوير، بعدما اكتشفت أن الموجود فى الفنجان أمامها هو مياه غازية، وهمس لها المخرج أنه لا يوجد قهوة فى البلاتوه، فأرسلت من يشترى(البن) على حسابها، وأصرت على أن تشرب (قهوة) فى المشهد، مع أن المشاهد لن يلاحظ ولن يعرف ما تشربه، لكنها أرادت أن تصدق نفسها أولاً، قبل أن يصدقها المشاهد.