تطور سياسي مهم في اليمن

تطور سياسي مهم في اليمن

د.سالم الكتب

للأمن والاستقرار في أي بلد أسسه وركائزه، ومن أهم هذه الأسس والركائز إقامة مؤسسات الدولة، أو تأكيد دورها في الحياة السياسية والاجتماعية، أو استعادة هذا الدور وتمكين هذه المؤسسات من أدائه في حال نشوب نزاعات مسلحة أو سيطرة ميليشيا انقلابية على السلطة، أو غير ذلك مما يحول دون أدائها للدور الدستوري المنوط بها، لذا فإن انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان اليمني منذ بدء الانقلاب الحوثي، تمثل خطوة نوعية في اتجاه ترسيخ مؤسسات الدولة اليمنية ودعائم الشرعية وتثبيت دورها في مواجهة الانقلاب الحوثي.

 

ورغم كل حملات التشكيك في أهمية هذه الخطوة النوعية، فإن انعقاد البرلمان في سيئون بمحافظة حضرموت هو دليل على أن الشرعية قادرة على استعادة وحدة الشعب اليمني ومحاصرة الحوثي وعزله في داخل المناطق التي يسيطر عليها، فاستعادة البرلمان باعتباره أحد أهم أدوات ورموز الدولة اليمنية تعطي الأمل للشعب اليمني في استعادة الدولة واستئناف دورها وحضورها الرسمي على أرض الوطن تمهيدًا للقضاء نهائيًا على الانقلاب الذي حاول اختطاف دولة بأكملها لمصلحة ميليشيات طائفية انقلابية تعمل لمصلحة إيران!

 

إن استئناف عمل البرلماني اليمني لا تقتصر أهميته على الداخل، بل هي بالأساس توفر للشعب اليمني نافذة جديدة للتحرك خارجيًا وشرح ما يحدث في هذا البلد العريق للرأي العام العالمي من خلال ممثلي الشعب اليمني، لاسيما بعد أن حصل البرلمان على دعم وثقة المجتمع الدولي عقب ساعات من انعقاد جلسته الأولى، حيث أكدت الخارجية الأمريكية في بيان رسمي لها أن الولايات المتحدة “تهنئ النواب اليمنيين الذين اجتمعوا للمرة الأولى منذ عام 2014″، وكذلك فعلت دول أخرى عدة، حيث اتفق الجميع على أن انعقاد البرلمان يمثل خطوة مهمة نحو التقدم باتجاه تسوية الازمة بموجب مقررات مؤتمر الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

 

إن انعقاد البرلمان اليمني يمثل عزلًا للانقلاب الحوثي، وتأكيدًا على مايربط دول التحالف العربي بالشعب اليمني الشقيق، حيث شهدت الجلسة الأولى للبرلمان إشادة وتقدير من الرئيس المنتخب للبرلمان سلطان البركاني بالدورين الاماراتي والسعودي ودعمهما للشعب اليمني والشرعية السياسية في هذا البلد العربي العريق.

 

واللافت أن ميلشيا الحوثي التي لا تريد لليمن سلامًا ولا استقرارًا لا تزال تمضي في محاولة تنفيذ مشروعها الإيراني، وترفض كل جهود التسوية السياسية سواء تلك التي نص عليها اتفاق استكهولم أو اليد الممدودة بالسلام التي جددها الرئيس هادي في كلمته خلال الجلسة الأولى للبرلمان حين قال “إن الشرعية لم تكن تريد الحرب وبذلت كل ما في وسعها لتفاديها”، ووجه هادي حديثه للحوثيين قائلًا: “ألم يحن الوقت لإلقاء السلاح والبدء في السلام؟ نمد يدنا بالسلام للحوثيين لأن اليمن غالٍ وعزيز”، ثم وجه لهم أيضًا رسالة مهمة لعلها تصيب هدفها ولعل هناك عاقل لم يزل قائمًا بين جموع هذه الميلشيات المسكونة بالفكر العدائي لليمن وشعبه وقال “لا ترهنوا حاضر ومستقبل اليمن لأعداء البلاد”.

 

الكل يدرك أن ميلشيات الحوثي لا تفهم لغة السلام ولا تريد الاستماع إليها، ولا تتجاوب مع أي نداءات تدعو للحوار والسلام، ولكن الكل أيضًا يحرص على بذل كل جهد ممكن من أجل تخليص ما تبقى من أرض وشعب اليمن من قبضة هذه العصابة الانقلابية.

 

ورغم أن البعض يحاول التشكيك في أهمية هذه الخطوة، فإن الواقع يقول إنها تطور مهم في ظل ما جرى خلال السنوات الأربع الماضية، حيث اعتقدت ميليشيات الحوثي ورعاتها الإيرانيون أن الدولة اليمنية قد انتهت إلى الأبد، وأنه تم القضاء على مفاصلها ومؤسساتها، ولكن استعادة تماسك الجيش والأمن والشرطة، واستئناف عمل البرلمان ومحاصرة النفوذ الحوثي في مناطق محددة لا يزال يسيطر عليها، إنما يؤكد أن الشرعية تنتصر وتتقدم حيث تم تحرير محافظات عدن وأبين ولحج وشبوة، ولولا الحرص على المدنيين وسلامتهم لتمت السيطرة على مدينة الحديدة وبقية مناطق اليمن.

 

ومن الطبيعي أن يكون هذا التقدم بطيئًا وعلى مراحل متدرجة، فما حدث لم يكن قليلًا، ولا هينًا، واستعادة مؤسسات بالكامل ليس أمرًا بسيطًا فما حدث كان وضعًا كارثيًا بالمرة، ولولا دعم دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لكان الحال غير الحال، ولكان الحديث عن الشرعية السياسية في الدولة اليمنية جزءًا من الماضي! ولا شك أن مشروع التحالف العربي الذي يمثل توجهًا مضادًا لما أرادت وخططت ومولت إيران عن طريق ميليشيا الحوثي، قد نجح في تحقيق الكثير من أهدافه ولاسيما ما يتعلق بإعادة تأهيل وتقوية مؤسسات الدولة اليمنية، وتمكينها من إدارة شؤون البلاد بمختلف جوانبها، الاقتصادية والعسكرية والأمنية.