الصلاة الحرام!

الصلاة الحرام!

بقلم : هاني عبدالله

لسنوات عديدة (تتجاوز الـ 65 عامًا) وإلى اللحظة، لم يعرف «تنظيم الإخوان الدولى» سوى «الصلاة الحرام» داخل محراب مؤسسات صُنع القرار الأمريكية (!)

.. فعلى عتبات «أحلام التمكين»، كان أن باع التنظيم المعتقد والهوية.. وسعى– بكل قوة– لذبح الوطن والوطنية.. لذلك.. بعد أن سقط حُكم الجماعة فى مصر (فى ثورة 30 يونيو)، كان أن أسس التنظيم داخل الأراضى الأمريكية كيانًا جديدًا يحمل اسم «المصريين الأمريكيين من أجل الحرية والعدالة» (EAFJ).. وكان الهدف الأساسى للكيان الجديد، هو استعادة جماعة الإخوان (الإرهابية) للسلطة فى مصر، عبر الضغط على حلفاء التنظيم داخل مراكز صُنع القرار الأمريكية (أو هكذا كانوا يتصورون)!

 

.. إذ ترأس هذا الكيان الإخوانى «هانى القاضى»، الذى قاد قبل أيام قليلة (للمرة الثالثة على التوالى) مجموعة الضغط على أعضاء «الكابيتول هيل»، قبل الزيارة المرتقبة للرئيس المصرى «عبدالفتاح السيسى» فى 9 إبريل الجارى.

 

 

والقاضى من عائلة إخوانية (ذات أصول مصرية) ترسخ وجودها فى أمريكا بعد هجرة القيادى الإخوانى البارز «د.أحمد القاضى».. إذ ولد «القاضى» بمدينة دسوق (التابعة لمحافظة كفر الشيخ فى 1 أغسطس من العام 1940م)، وفر إلى النمسا، فى أعقاب إلقاء القبض على والده (وكان من قيادات الإخوان، هو الآخر)، بعد محاولة اغتيال الرئيس الراحل «جمال عبد الناصر» بميدان المنشية، فى 26 أكتوبر من العام 1954م، حيث توجه – بعد ذلك – إلى الولايات المتحدة فى العام 1965م، وظل مشاركًا بقيادة التنظيم هناك، حتى توفى بالعام 2009م.

 

 

لم يكن – يقينًا – «القاضى» (وعائلته) حالة وحيدة داخل التنظيم الإرهابى (وما يتبعه من جمعيات داخل أمريكا) فى هذا الصدد؛ إذ تكررت تلك الحال فى أكثر من مناسبة، وأكثر من حقبة زمنية(!)

 

 

.. وعبر الاستقراء التاريخى لآليات تغلغل التنظيم داخل دوائر صُنع القرار الدولى، يُمكننا استخلاص عددٍ من الحقائق، التى ترسم أمامنا صورة [بانورامية] عامة لوضع التنظيم:

 

 

(أ) – عمد «حسن البنا» (المرشد المؤسس لجماعة الإخوان) إلى الخروج بدعوته من نطاق «المحلية» إلى حيز «العالمية»، عبر ركيزتين أساسيتين: الأولى.. الاحتكاك بوفود الحجيج القادمة من شتى بقاع العالم الإسلامى؛ لأداء الفريضة (وهو ما تمخض عنه وضع لائحة «إلزامية» لتنظيم الحج بين أعضائها)، والثانية.. عبر الاهتمام بممارسة «الدعوة الفردية» بين صفوف الوافدين (القادمين من «العالم الإسلامى»؛ للدراسة بالأزهر).. وفى أعقاب تشكل «نواة» (من هؤلاء الوافدين)؛ تطور الأمر إلى تأسيس «قسم خاص» يتبع «المركز العام»؛ ليتولى تلك المهمة.. وأصبح هذا القسم هو «قسم الاتصال بالعالم الإسلامى» (الاتصال الخارجى).

 

 

(ب) – فى الخمسينيات.. بدأت «الولايات المتحدة» فى مد قنوات الاتصال، بشكل «عميق» مع الجماعة، عبر أكثر من حلقة.. وكانت «الحلقة الأولى»، هى سعيد رمضان (صهر البنا، نفسه).. أما «الحلقة الثانية» (وهى حلقة لم تحظ سوى بعملية رصد «واحدة» – فيما نعلم – قام بها المؤرخ الراحل «د. رءوف عباس»)؛ فكانت عبر المستشار «حسن الهضيبى»، الذى خلف البنا فى موقعه(!).. إذ كان ثمة لقاءات متنوعة بين «السفارة الأمريكية» فى القاهرة، و«الهضيبى» (بحسب وثائق الخارجية الأمريكية، التى اطّلع عليها عباس).

 

 

(ج) – أثمرت عملية التعاون بين «الولايات المتحدة» و«صهر البنا» (فى الخارج).. و«السفارة الأمريكية»، و«مرشد الجماعة» (فى الداخل)، عن حدوث نوع من أنواع الدعم للتنظيم عالميًا (إلى جانب «الوسيلتان» اللتان وضعهما البنا: «الحج»، و«لجان الوافدين»).. وكانت تلك التقاربات (خاصة فى ظل توتر العلاقة بين «الجماعة»، و«الضباط الأحرار»)، هى حجر الأساس الذى بُنيت عليه «شبكة التنظيم الدولى» (أوروبيًا، وأمريكيًا)، فيما بعد.. إذ وضعت «اللبنة الأولى» لأغلب «المنظمات» التابعة له، فى نهاية «الخمسينيات»، وبداية «الستينيات».

 

 

(د) – مثّلت «بذرة» المنظمات الإسلامية، التى وضعها «الإخوان» داخل أوروبا، وأمريكا الشمالية، خلال فترة الستينيات، «نواة» حقيقية للنمو، والتكاثر.. إذ سرعان ما بدأت تلك المنظمات، والجمعيات فى «الانشطار» بشكلٍ ملفت؛ لبسط سيطرتها على أغلب الروافد «المُغذية» لأفكار أبناء «الجاليات الإسلامية».. وكان لهذا الانتشار، أثره المحفز للمجموعة الصقورية (من أبناء التنظيم الخاص)، فى نهايات «السبعينيات» على جمع جُل تلك التنظيمات، تحت راية «تنظيم دولى واحد».. وذلك لتحقيق 3 أهداف رئيسية:

 

 

(1) – إحكام قبضة «إخوان مصر» على «إخوان الخارج».

 

 

(2) – إحياء «الجهاد العسكرى« بالتنظيم، مرة أخرى.

 

 

(3) – إعلان «الخلافة الإسلامية» على يد قيادات التنظيم.

 

 

(هـ) – بحلول «التسعينيات»، تطور العمل داخل التنظيم، بشكلٍ لافت، عبر اجتهادات «إخوان أمريكا» (الفلسطينيين،  على وجه الخصوص).. إذ كان من بين تلك التطورات: (استخدام وسائل «التخطيط الاستراتيجى»؛ لوضع برامج التمكين\ توجيه التنظيمات «القُطرية»؛ لخدمة أهداف التنظيم\ العمل «التدريجى»؛ للسيطرة على «مراكز القوى» بالدول العربية والإسلامية\ التوظيف «المرحلى» لباقى الحركات الإسلامية، والتحالفات الشكلية مع القوى الوطنية\ إتقان «فن الممكن» من الناحية المرحلية، وعدم دخول «الدعوة» فى مواجهات «غير متكافئة» مع خصومها: «المحليين» أو «العالميين»\ دعم «الحركات الجهادية» فى العالم الإسلامى بنسب «متفاوتة»\ الاعتماد على أجهزة رصد (استخبارية).. لتغذية التنظيم بالمعلومات عن كل دولة وقطاع\ توظيف «القضية الفلسطينية»: سياسيًّا، وجهاديًّا).

 

 

(و) – فى تلك الفترة، أيضًا، كان ثمة تطوران لافتان فى مسار تنظيم الجماعة الدولى.. إذ كان الأول هو الاعتماد على فكرة تأسيس «أجهزة مركزية» (فوق قطرية)، تتبع مكتب الإرشاد الدولى مباشرة، وتشرف على برامج الأقطار المختلفة.. والثانى؛ هو تأسيس برنامج تحليل سياسات واستراتيجيات الإسلام السياسى بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA).. إذ كان لهذا «البرنامج» الدور الأبرز فى التقارب بين «البيت الأبيض»، و«تنظيم الإخوان الدولى» فيما بعد.. فضلاً عن عقد اللقاءات المشتركة بين الطرفين، فى كُلٍّ من: «القاهرة»، و«واشنطن».

 

 

(ز) – لم يكن حتى أحداث 11 سبتمبر (أى حتى بداية الألفينيات) ثمة عوائق أمام عمل «المنظمات الإخوانية» فى كل من: أوروبا، وأمريكا.. ففيما أصبح التنظيم الدولى يحرك نحو 29 منظمة إسلامية داخل «أمريكا الشمالية»؛ كان أن امتدت شبكته فى أوروبا؛ لتشمل حصرًا 30 منظمة دولية و10 مؤسسات «مركزية»، تهدف- جميعها- للسيطرة على «الجاليات الإسلامية» فى الخارج.. وفى حين نجح «إخوان أمريكا» فى مد جسور التواصل- مبكرًا- مع «البيت الأبيض».. كرر التنظيم الأوروبى فى («لندن» و«برلين» و«باريس») التجربة نفسها.. وبات للتنظيم (بشكل عام) علاقاته الممتدة على مستوى الحكومات، والدول الغربية.. فضلاً عن أجهزتها الاستخبارية.

(ح) – فيما بعد أحداث 11 سبتمبر؛ بدأت «الولايات المتحدة الأمريكية» وحلفاؤها بـ«حلف شمال الأطلسى» (الناتو) فى التمهيد لما عرف بـ«مشروع الشرق الأوسط الكبير».. و«النموذج التركى» كشريك إسلامى متوافق مع القيم الغربية.. وعبر عديدٍ من المشاهدات التالية (وتفكيكًا منا لملامح الصورة القديمة، وإعادة تركيبها فى ضوء المستجدات التى شهدتها المنطقة)؛ توصلنا إلى أنه كان ثمة اتجاه قوى داخل «الحكومة الأمريكية»، منذ بداية الألفينيات (أى: بعد أحداث 11 سبتمبر!)، يدعم فكرة الارتباط بتيار الإسلام السياسى (عالميًا)، قياسًا على «النموذج التركى» (ومنهم الإخوان فى مصر، والعالم العربى).

 

 

(ط) – مع وصول «أوباما» للبيت الأبيض؛ بدأت سياسات «الارتباط بتيار الإسلام السياسى»، فى الشرق الأوسط، نيابةً عن الأنظمة القائمة؛ تدخل حيز التنفيذ.. إذ استحدث «أوباما» إدارة الارتباط العالمى (Global Engagement Directorate)؛ لدعم «سياسات الارتباط» على المستويات: الدبلوماسية، و«التنمية الدولية».. إلى جانب الارتباطات المتعلقة بـ«الأمن الأمريكى» (ومنها: الارتباط بتنظيم الإخوان).. إذ وضع مسئولو تلك الإدارة «المستحدثة» الخطوط العريضة لخطاب أوباما فى جامعة القاهرة فى 4 يونيو من العام 2009م.

 

 

(ك) – فيما حمل خطاب «جامعة القاهرة» عديدًا من الرسائل الأمريكية، حول التغيير القادم فى «الشرق الأوسط».. كان من بين المهام الملقاة على عاتق «إدارة الارتباط العالمى»، الترويج للخطاب (من حيث الأصل) على نطاق واسع بين ربوع العالم الإسلامى.. إذ تمّ ذلك عبر الشركاء «المُستقبليين» للولايات المتحدة بالمنطقة.. تأسيسًا على ثلاثة محاور رئيسية، هى: (أ- فتح حوار موسع حول الشراكة بين «الولايات المتحدة الأمريكية»، و«العالم الإسلامى»؛ اعتمادًا على مراكز التفكير المختلفة\ ب- دعم الدورين: «القطرى»، و«التركى»؛ من أجل تعميق الاتصالات مع «قوى الإسلام السياسى» بالمنطقة\ ج- ترسيخ عمليات الاتصال بين «البيت الأبيض» و«إخوان أمريكا» تحت لافتة: «الأمن الداخلى»، والتواصل «بشكل عام» مع المنظمات الإسلامية «العاملة» بالولايات المتحدة؛ من أجل الاستقرار على صيغة من «المفاهيم المشتركة»، حول الإرهاب، وعلاقته بالدين الإسلامى).. وهو ما أعقبه عملية تشبيك «واسعة» (مدعومة أمريكيًّا) بين الإخوان، والفصائل السياسية الأخرى (فى مصر، والعالم العربى).

 

 

(ل) – وفيما صدر توجيه أوباما الرئاسى (التوجيه: 11)، قبل ما اصطلح على تسميته بـ«ثورات الربيع العربى» بشهورٍ معدودة؛ لدعم سياسات الارتباط مع قوى «الإسلام السياسى» بالمنطقة.. كانت «دوائر التنسيق الإخوانية» مع «الولايات المتحدة الأمريكية» لا تزال تواصل تحركاتها النشطة؛ لخلق مزيد من التقارب بين التنظيم و«واشنطن»؛ تمهيدًا لأن تلعب الجماعة «دورها السياسى الأكبر»، منذ تأسيسها فى عشرينيات القرن الماضى.. إذ دارت «دوائر الاتصال» تلك– إجمالاً– حول روافدٍ خمس، هى: (أ- قنوات الاتصال المباشرة بين «إخوان أمريكا»، وروافد «صُنع القرار» بالبيت الأبيض، بما فى ذلك؛ الروافد: الأمنية، والاستخبارية\ ب- قنوات الاتصال المباشرة بين «إخوان مصر»، و«الإدارة الأمريكية»، مثل: مسئولو السفارة الأمريكية، و«السفارات الشريكة لها» بالقاهرة، و«نواب الجماعة»، وبعض الاتصالات الفرية مع قيادات الجماعة\ ج- «الدائرة الأوروبية».. وذلك فى سياق «تبادل المعلومات» بين بعض «الحكومات الغربية»، و«واشنطن»؛ اعتمادًا على وجود قنوات اتصال خاصة بين تلك «الحكومات»، وبين «المنظمات» التابعة لـ«اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا» \ د- دائرة الاتصالات «التركية».. إذ كانت «تركيا» هى الدولة النموذج، فى سياق «برنامج الارتباط» الأمريكى مع قوى «الإسلام السياسى» فى الشرق الأوسط.. كما كانت أكثر الدول «الشرق أوسطية» احتضانًا لاجتماعات تنظيم الجماعة الدولى (فضلاً عن التنسيق معه)، فيما قبل «الانتفاضات» التى شهدها الشارع العربي\ هـ- الدائرة «القطرية».. إذ أسهمت «الدوحة» فى تأمين عديد من «الاستضافات» المتبادلة، انطلاقًا من تموضعها بين الطرفين: «كدويلة داعمة للإرهاب» من جانب.. و«دويلة وظيفية» توجهها إدارات واشنطن، من جانب آخر).

 

 

(م) – تسبب «دعم الإدارة الديمقراطية» (أى إدارة أوباما) للجماعة فى مصر، فى تمهيد الأرض أمام التنظيم للوصول للحكم بالعام 2012م.. وعبر 365 يومًا قضاها مندوب الجماعة فى قصر الاتحادية (بحسب تقارير سيادية، وأحكام قضائية)، كان أن شهدت تلك الفترة عديدًا من الاختراقات للأمن القومى المصرى.. وبحسب وثيقة أمريكية (تحصلنا عليها، ونشرناها من قبل على صفحات روزاليوسف) كان من بين تلك الاختراقات طلب مباشر من «واشنطن» بمد «مرسى» بفريق «سرى» من الخبراء الغربيين؛ لمساعدته فى هيكلة «وزارة الداخلية» بالطريقة التى يريدها (!)

 

ومن البدايات (وحتى يوم الإثنين الماضى)، لم يبارح الإخوان مخادع رجالات السياسة فى واشنطن.. وهى مساحة حافلة بعديدٍ من التفاصيل (الموثقة)..  إذ لا تزال «الصلوات الحرام» قائمة، نحو القٍبلة التى ارتضاها الإخوان (قبلة الكونجرس)! 