الطحال.. فوائده ومشاكلهد.السباعى حماد

أجسامنا تعمل بالكهرباء

د.السباعى حماد

قبل كتابة هذا المقال قمت بعمل استطلاع أسأل فيه عن فائدة الطحال في جسم الإنسان، اخترت شريحة من البسطاء أصحاب المعاشات ودافعي فواتير التليفون واستطلعت منهم مائة، تعمدت الابتعاد عن الجامعة وطلبة الطب، ولم أكشف عن هويتي أو هدفي من الاستطلاع.

 

أحد المستطلعة آراؤهم استغرب اهتمامي بالموضوع، وكانت تظهر عليه علامات التقوى والوقار، فاجأني بالقول: “إنت عندك الطحال؟ لا حول ولا قوة إلا بالله”.. ورغم بساطة الرجل وعفويته، إلا أن تعليقه انطوى على حكمة وخبرة.

الإجابات التي حصلت عليها عن وظيفة الطحال كانت كالتالي: الله أعلم ، اسأل مختص 98% – يصنع الدم 1% – فيه خطورة (دون توضيح) 1%..

إذن، كشف هذا الاستطلاع أن الغالبية الساحقة من العوام لا يعرفون فائدة الطحال، والقليل جدا منهم من يربط بينه وبين تكوين الدم، أو لديه تصور مرعب عنه..

الطحال الطبيعي وزنه يتراوح ما بين 100-250 جم بحجم كف اليد، لونه أحمر مزرق (أرجواني)، محشور فوق الكلية اليسرى تحت الحجاب الحاجز وملاصق أيضا لذيل البنكرياس والمعدة والأمعاء الغليظة، وتحميه من الخارج الأضلاع اليسرى 11،10،9، مصدر الخطر هنا أن أي كسر في هذه الأضلاع قد يمزقه وينتج عنه نزف داخلي شديد.. أحدى الدراسات كشفت أن من 10- 15% من البشر لديهم طحال إضافي صغير.

والطحال لا يمكن للطبيب أو لأحد أن يحسه إلا إذا تضخم وتجاوز القفص الصدري باتجاه السرة، وقد وصل وزنه في إحدى حالات التضخم إلى ستة كيلوجرامات، خصوصا في البلهارسيا المتأخرة وتليف الكبد.

ينتمي الطحال إلى الجهاز الليمفاوي ويلعب أدوارا متعددة. ينشأ في الأسبوع الخامس من عمر الجنين، وأول عمل يقوم به في الجنين هو صنع كريات الدم الحمر وذلك قبل وجود نخاع العظم، تساعده في ذلك الكبد، لكن مع اقتراب الولادة يتخلى الطحال والكبد عن هذه الوظيفة ويتسلمها نخاع العظم الذي يكون قد ظهر. يتولى الطحال أكثر من خمس وظائف جديدة بعد الولادة، وتتكلف الكبد كذلك بعشرات الوظائف الأخرى..

إحدى وظائف الطحال أنه “مقبرة الكريات الحمراء”، فأثناء مرور الدم من خلاله، يصطاد الكريات الحمر الميتة والتي انتهى عمرها، يكسرها ويستخلص الحديد الذي فيها ويرسله إلى نخاع العظم مرة أخرى لإعادة تدويره واستخدامه في صنع كريات دم حمر جديدة.

والطحال مخزن للدم بشكل عام، والخلايا البيضاء والليمفاوية والصفائح الدموية بشكل خاص، حيث يحتفظ بكميات احتياطية كبيرة من الدم يطلقها وقت الحاجة لو حدث نزف شديد نتيجة حادث أو لأي سبب آخر.. وهو أيضا مخزن للكريات البيض، ولأن وظائفها دفاعية يرسلها عند الطلب لمواجهة الالتهابات، ولديه أيضا رصيد كبير من الخلايا الأكولة الكبيرة التي يمكنها التهام حتى الطفيليات وحيدة الخلية. هذا إضافة إلى أعداد كبيرة من الخلايا الليمفاوية التي تطلق أجساما مضادة تنطلق في الدم لمحاربة البكتريا والفيروسات.

وكما يقوم الطحال بترشيح وتصفية الدم، يقوم بترشيح السائل الليمفاوي من أي شوائب أو جراثيم تصل إليه.

يتضخم الطحال لأسباب كثيرة أبزها تليف الكبد كما ذكرنا، وبعض سرطانات الدم والأمراض الفيروسية والحميات كالملاريا وفي بعض الأورام، وقد ينفجر الطحال المتضخم من أي جهد عنيف أو حتى تلقائيا نظرا لطبيعته الاسفنجية الهشة.

ومن غرائب الطحال أنه أحيانا يفقد صوابه وينقلب على صاحبه ويهاجمه بأكثر من طريقة، فقد تأتي عليه أوقات لا يميز فيها بين كريات الدم الحية والميتة ويبدأ بأكل كريات الدم السليمة خصوصا عندما يتضخم، حالة يسميها العلماء “فرط النشاط” (hypersplenism) تسبب أنيميا شديدة تجعل استأصاله والتخلص منه أمرا حتميا..

وأحيانا ينقلب الطحال بطريقة أخرى فيحتجز الصفائح الدموية، مما لا يعطي الدم فرصة كافية للتجلط عند الجروح.. ولم يصل العلماء إلى سبب واضح يدفع الطحال إلى مثل هذه “الشيطنة” والانقلاب على صاحبه!

بعد إزالة الطحال يفقد المريض كل المزايا التي ذكرناها في وظائفه، وكل ما يمكن تقديمه للمريض بعد ذلك هو الحصول على عدد معين من التطعيمات كل ثلاث أو أربع سنوات ضد الأمراض التي كان الطحال متخصصا في مقاومتها، خصوصا أن محاولات نقل وزرع الطحال لم تنجح حتى الآن.