الدولار وفائض الموازنة!

الدولار وفائض الموازنة!

بقلم : محمد نجم

بعض الأخوة المواطنين لديهم “التباس”، وشكوك فيما يتعلق بسعر صرف الجنيه مقابل الدولار، وأيضًا ما أعلنه وزير المالية عن فائض في الموازنة بمبلغ 21 مليار جنيه.

والحكاية ببساطة، أنه منذ تحرير سعر الصرف للنقد الأجنبي في السوق المحلية، أصبح عاملا العرض والطلب هما ما يحددان قيمة الجنيه المصري مقابل العملات المختلفة، وعلى رأسها الدولار الأمريكي.

ومن ثم فمن الطبيعي أن تنخفض أسعار الصرف أو ترتفع طبقًا لظروف الاقتصاد المصري، أي طبقًا لحجم الطلب في السوق على الدولار للاستخدامات المختلفة، وكذلك حجم المعروض منه.

ومن المعروف أن الدولة – وفى ظل برنامج الإصلاح – رشدت الواردات الخارجية، وفعّلت خاصية “اعرف عميلك” في وحدات الجهاز المصرفي، واتخذت إجراءات أخرى تقلل من سيطرة الدولار الأمريكي على التعاملات في السوق المصرية.

ومن ثم انخفض الطلب اليومي على الدولار الأمريكي – باعتباره العملة الأكثر طلبًا للتعاملات الخارجية – سواء للاستيراد أو السياحة الخارجية أو العلاج.. خاصة بعد تشديد الرقابة على شركات الصرافة.. لمنع تمويل الأنشطة غير المشروعة.

تزامن مع ذلك تعديل أسعار الفائدة على الإيداعات في البنوك سواء للجنيه أو الدولار، وبحيث تكون الإيداعات بالعملة المحلية أكثر ربحًا للمودعين بها عن الذين يحولون مدخراتهم إلى نقد أجنبي، خاصة الدولار الأمريكي.

هذا عن جانب الطلب على الدولار، أما جانب العرض، الذي ارتفع نسبيًا في الفترة الأخيرة، فقد كان للأسباب الأتية؛ أولها تحويلات المصريين العاملين في الخارج، والتي عادت إلى معدلها الطبيعي، بل إنها زادت عما كانت عليه عام 2011 (22 مليار دولار)، وارتفعت هذا العام لتصل إلى حوالي 24 مليارًا.

وأيضًا.. ارتفاع حجم الصادرات المصرية – بعد تحرير سعر الصرف – إلى الخارج، وإلزام المصدر بتحويل عائدها إلى الداخل من خلال القنوات الرسمية.

أما المصدر الثالث، فقد تمثل في ارتفاع عائد رسوم المرور بقناة السويس، التي بلغت العام الماضي أكثر من 6 مليارات، وتمثل المصدر الرابع في تعافي النشاط السياحي، وزيادة تدفقات السياحة الخارجية إلى مصر.

أضف إلى ذلك المنح والقروض الخارجية وعلى رأسها قروض صندوق النقد الدولي والبالغة 12 مليارًا بعد استلام الدفعة الأخيرة خلال الأسبوع الجاري.

وبالطبع لا يمكن إغفال زيادة الاستثمارات الخارجية في السوق المصرية، وسواء كانت غير مباشرة (البورصة) أو مباشرة في صورة مشروعات جديدة أو توسعات في مشروعات قائمة.

كل تلك العوامل السابقة أدت في النهاية إلى زيادة المعروض من الدولار الأمريكي في السوق المصرية عن الطلب عليه، وينعكس ذلك في زيادة احتياطي البلاد من النقد الأجنبي، إلى جانب تغير سعر الصرف بانخفاض الدولار مقابل الجنيه.

وأحيانًا ينخفض الاحتياطي ويرتفع سعر الصرف، بسبب قيام البنك المركزي بدفع أقساط الديون الخارجية وفوائدها والتي حل ميعادها.

وأحيانًا أخرى يرتفع الاحتياطي وينخفض سعر الصرف، بسبب معونات أو قروض خارجية، أو زيادة التحويلات، أو عوائد النشاط السياحي ورسوم المرور بقناة السويس.

والمعنى.. أنه يجب ألا ينزعج أحد من انخفاض سعر الصرف أو ارتفاعه، فهي تحركات عادية في الاقتصاديات النامية.

ومن ثم فإنني أقول للذين يروجون الشائعات بعودة الدولار للارتفاع مرة أخرى وبمبالغ كبيرة.. خيب الله ظنكم!، وكذلك الذين يكنزون الدولار.. انتظارًا لارتفاع سعره!.. سوف تخسرون!

وذلك.. لأن المؤشرات الاقتصادية تتجه نحو الأفضل وباضطراد ملحوظ، كما أن مصر حريصة على سداد التزاماتها الخارجية في توقيتاتها المحددة، وسواء كانت أقساط ديون أو فوائدها، أو مستحقات لشركات أجنبية تعمل في السوق المصرية.

أما عن الفائض الأولى في الموازنة العامة للدولة، الذي أشار إليه المجتهد د. محمد معيط وزير المالية، والذي بلغ 21 مليار جنيه في النصف الأول من العام المالي الحالي (يوليو – ديسمبر 2018)، فهذا الفائض ليس له علاقة بالدين المحلي، والذي بلغ في نهاية سبتمبر الماضي حوالي 3.890 تريليون جنيه، تسعون في المئة منهم ديون حكومية ممثلة في أرصدة سندات وأذون خزانة.

وأيضا ليس له علاقة بالدين الخارجي، الذي يبلغ حاليا أكثر من 93 مليار دولار، بعد زيادته بحوالي 970 مليونا في الربع الأول من العام المالي الحالي.

فهذا الفائض هو الفارق بين مصروفات الخزانة العامة في 6 أشهر، وبين إيراداتها في ذات المدة، فالذي حدث أن الإيرادات زادت بنسبة 28% مقارنة بذات الفترة من العام الماضي، بينما لم تزد المصروفات عن 17% فقط.

وتمثلت زيادة الإيرادات.. في ارتفاع متحصلات الإيرادات الضريبية المستحقة، منها الضريبة العقارية بنسبة 102%، المهن الحُرة 47%، والمرتبات 37%، وأرباح الشركات 26%، والقيمة المضافة 21%.

فالصديق العزيز د. محمد معيط.. زوّد إيرادات الموازنة، بينما غل إيده في المصروفات، ومن حُسن الحظ أنه وجه 21% منها للتعليم، و27% للصحة.

والمعنى.. أن هذا الفائض الأولى.. “فائض حسابي”، فمازالت الموازنة تعانى من عجز كلي وسنوي يصل إلى أكثر من 6%، وما زال الإنفاق يحتاج للزيادة.. خاصة الرواتب.. والتعليم والصحة أيضًا.

أما سداد أقساط الدين المحلي وفوائدها..

فتلك قصة أخرى..!

حفظ الله مصر.. وألهم أهلها الرشد والصواب