كلمة سعادة وزير الشئون الخارجية الهندى خلال فعالية “يوم أفريقيا”

كلمة سعادة وزير الشئون الخارجية الهندى خلال فعالية "يوم أفريقيا"

سعادة رئيس وزراء جوجرات،

السيد/ فيجاي روباني

السادة الوزراء وأصحاب السعادة من الدول الأفريقية

الضيوف الكرام،

السيدات والسادة…

في هذا اليوم الذي يمثل حقاً مناسبة تاريخية، نقوم بتنظيم فعالية “يوم أفريقيا” للمرة الأولى خلال قمة “جوجرات النابضة بالحياة”. وتعد تلك هي المرة الأولى التي نخصص فيها يوماً لقارة بأكملها، فيما يمثل إقراراً واضحاً بالأهمية المتزايدة التي نوليها لمكانة الاقتصادات الأفريقية على خريطة التنمية والنمو للعالم المعاصر.

وإنه ليسعدني بشكل خاص أن يتم الاحتفال بهذا اليوم التاريخي على أرض جوجرات. وكما أن جوجرات هي الولاية التي منحتنا مهانداس غاندي، فإن إفريقيا هي القارة التي منحت الهند المهاتما. كما تكمن أهمية هذه الفعالية في كونها تعقد في الذكرى المائة والخمسين لميلاد غاندي والذكرى المائة للزعيم الأفريقي البارز نلسون ماندلا.

ومن ثم، فإنه يشرفني أن أتحدث في هذه المناسبة الخاصة للغاية أمام هذا الجمع الموقر. لطالما ارتبطت الهند بأواصر خاصة مع الشعب الإفريقي وقدمت الدعم لتحريرها من ربقة الاستعمار والتمييز العنصري. وكما قال نلسون ماندلا نفسه: “لم يكن من الممكن أن نتحدث اليوم عن الانتصار ما لم تكن بقية دول العالم قد حذت حذو جمهورية الهند اليافعة.”

لقد ألهمت حركة الوحدة الأفريقية الآباء المؤسسين لأفريقيا فأدت إلى تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية ومنظمة الاتحاد الأفريقي التي خلفتها.

وتطور الأمر إلى مستوى جديد بتوقيع اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، وهي الاتفاقية التاريخية التي تم توقيعها في مارس من العام الماضي لتحقيق التكامل الاقتصادي لأفريقيا، بما يتماشى مع وثيقة رؤية أجندة 2063. إننا ننظر إلى شراكتنا الواسعة مع الدول الأفريقية من منظور خبرتنا. عندما حصلنا على استقلالنا، وجدنا أن المساعدات الخارجية كانت تأتي مصحوبة بشروط، سواء أكانت هذه الشروط معلنة أو ضمنية، مع توصيات من شأنها أن تحد من سيادتنا الوطنية واستقلالنا.

وحيث أن أفريقيا تسعي إلى تحقيق التنمية من خلال مشروعات ذاتية تديرها وتمتلكها بنفسها، فإننا عازمون على تأسيس شراكتنا على أسس المساواة والاحترام المتبادل والاستفادة المتبادلة. إننا نفخر بنموذج التعاون القائم بيننا وبين أفريقيا، وهو النموذج الذي يقوم على الطلب والتشاور والمشاركة، ويستخدم الموارد المحلية، ويعمل على بناء القدرات، ويقوم على تحديد القارة الأفريقية أولويات احتياجاتها.

لقد أعلن رئيس الوزراء مودي أن أفريقيا على رأس قائمة الأولويات في سياستنا الخارجية والاقتصادية. وخلال زيارته إلى أوغندا، حدد سياستنا تجاه أفريقيا في 10 محاور رئيسية فقال إن شراكتنا التنموية سوف تسترشد بالأولويات الأفريقية. وسوف تعمل على تحرير الإمكانات الأفريقية ولا تحد من آفاق مستقبل القارة الأفريقية.

خلال السنوات الأربعة الماضية، شهدت العلاقات العريقة التي تربط بيننا وبين أفريقيا نمواً وازدهاراً. كما شهدت علاقاتنا السياسية مع أفريقيا طفرة غير مسبوقة حيث بلغ عدد الزيارات التي قام بها كل من الرئيس أو نائب الرئيس أو رئيس الوزراء إلى الدول الأفريقية 29 زيارة، فضلاً عن العديد من الزيارات الوزارية.

اسمحوا لي أن أضيف أن هناك زيارات قد تمت من كلا الجانبين بالإضافة إلى زيارة 41 من رؤساء الدول/رؤساء الحكومات الذين شاركوا في المنتدى الثالث، فقد استضفنا أكثر من 35 زعيم من أفريقيا شاركوا في مختلف الفعاليات التي عقدت في السنوات الأربع الماضية، بالإضافة إلى زيارات على المستوى الوزاري.

ونظرا للتعاون غير المسبوق مع أفريقيا، فقد اتخذ مجلس وزراء الحكومة الاتحادية في الهند قرارًا بفتح 18 سفارة ومفوضية عليا جديدة في إفريقيا في السنوات القليلة المقبلة، مما سيؤدي إلى وصول عدد البعثات الدبلوماسية الهندية في إفريقيا إلى  47 بعثة. الأول وقد تم بالفعل افتتاح أولى هذه البعثات في رواندا في العام الماضي.

أيها الأصدقاء،

لقد برزت أفريقيا كشريك تجاري واستثماري هام. وبلغ حجم التجارة الثنائية بين الهند وأفريقيا 62.66 مليار دولار أمريكي في الفترة 2017 – 2018، وهو ما يعكس زيادة بنسبة 22٪ تقريبًا مقارنة بالعام السابق. وتحتل الهند المرتبة الثالثة كأكبر وجهة تصدير بالنسبة لأفريقيا.

ونحن سعداء لأن برنامج التفضيل بالإعفاء من الرسوم الجمركية الذي أعلنته الهند لصالح أقل البلدان نمواً أفادت الدول الأفريقية وساهمت في زيادة ثابتة في أرقام التجارة من خلال توسيع نطاق الوصول إلى الرسوم الجمركية إلى 98.2٪ من إجمالي التعريفات في الهند. وتتمتع 38 دولة أفريقية الآن بمزايا البرنامج.

ونرى أن التوقيع الذي تم مؤخراً على اتفاقية إنشاء منطقة للتجارة الحرة في القارة الأفريقية يمثل فرصة أخرى لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع أفريقيا. وفي ظل الآثار الإيجابية “للعائد الديمقراطي”، فقد أصبحت القارة الأفريقية واحدة من أسرع المناطق نمواً في العالم.

وفي السنوات الأخيرة، كانت هناك زيادة في الاستثمارات الهندية في أفريقيا. وتعد الهند هي خامس أكبر مستثمر في أفريقيا مع حجم استثمارات تراكمية يبلغ 54 مليار دولار أمريكي. وتنمو استثماراتنا باطراد في القارة الأفريقية في عدد من القطاعات.

وتشمل هذه القطاعات ما يلي: الاتصالات، والهيدروكربون، والاستكشاف، والزراعة، والتعليم، وتكرير النفط وتجارة التجزئة، وخدمات تكنولوجيا المعلومات، والكيماويات، والأدوية والمستحضرات الصيدلانية، والسيارات وغيرها. وهناك إمكانات كبيرة للتوسع في علاقاتنا التجارية والاستثمارية بشكل أكبر، لا سيما في مجالات المعادن والتعدين والمواد الكيميائية والمستحضرات الصيدلانية والبنية التحتية ، والتصنيع الذي يقوم على أساس التكنولوجيا المتقدمة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

لقد اشتهرت خطوط الائتمان الخاصة بنا، والتي تقدم بشروط مواتية للغاية، وأدت إلى توسيع شراكتنا الإنمائية مع أفريقيا بشكل كبير. ويجري حالياً تنفيذ 189 مشروعاً في 42 بلداً أفريقياً بقيمة 11.4 مليار دولار تقريباً في إطار خطوط الائتمان الهندية. وقد كان لهذه المشاريع أثر إيجابي في العديد من البلدان الأفريقية، والذي يمثل في تغير حياة سكانها من خلال تغطية مجموعة من القطاعات مثل توليد الطاقة وتوزيعها، والمشاريع المتعلقة بالمياه، وخاصة في المناطق الريفية، والزراعة، والري، والسكك الحديدية، ومصانع السكر، والبنية التحتية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

وفي مبادرة جديدة، عرضنا بناء مراكز مؤتمرات المهاتما غاندي في أفريقيا كمنحة مساعدة، في إطار الاحتفال بالذكرى السنوية المائة والخمسين لميلاد غاندي. وقد ركز نهجنا تجاه أفريقيا على مساعدة الأفارقة في تحقيق إمكاناتهم الحقيقية في مختلف المجالات من خلال عدد من برامج بناء القدرات في إطار منح برنامج التعاون الاقتصادي والفني الهندي في أفريقيا والمنح الدراسية الخاصة بمجلس العلاقات الثقافية الهندي وبرامج التدريب الأخرى في إطار قمة الهند وأفريقيا الثالثة.

إن ما نقوم به من جهود لبناء القدرات في أفريقيا هو أمر فريد من نوعه، حيث يستفيد منه الآلاف من أبناء القارة الأفريقية. وإنني أشعر بسعادة كبيرة لوجود بعض الطلاب الأفارقة معنا اليوم في الهند وأود أن أرحب بهم ترحيبا خاصا، حيث أنهم يمثلون مستقبل أفريقيا.

و تم التوقيع على اتفاقية في سبتمبر 2018 لتعزيز التعاون مع أفريقيا في قطاع الصحة والتعليم، و ذلك لإرساء شبكة ربط إليكترونية بين الهند وأفريقيا بهدف تقديم خدمات التعليم عن بٌعد والعلاج عن بُعد، وذلك تضع الهند ما توصلت إليه من معرفة وخبرة فنية في خدمة الدول الأفريقية.

وبالنسبة للتعاون على الصعيد الثقافي، شهدت السنوات الأربع الماضية تعاونا استثنائيا في هذا المجال، حيث نظمت الهند مهرجانات ثقافية في 15 دولة أفريقية، منها 12 دولة شهدت إقامة تلك المهرجانات للمرة الأولى. وتشارك الفرق الفنية الأفريقية بصورة منتظمة في الفعاليات الثقافية الهندية الكبرى مثل: مهرجان الحرف اليدوية الهندي سوراجكوند ميلا.

أيها الأصدقاء،

إن الإرهاب هو أحد أخطر التحديات التي تواجه السلم والأمن الدوليين، حيث أن هناك العديد من الدول الأفريقية – تماما مثل الهند- من ضحايا الإرهاب. ولذلك، فإن عملية الحفاظ على السلام والأمن، ومكافحة الإرهاب والتطرف هي أحد العناصر الهامة في منظومة التعاون بين الجانبين.

تعد الهند من كبرى الدول المساهمة بقوات في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وشاركت قواتها في مهام حفظ السلام في قارة أفريقيا، ولعبت دورا هاما في القارة الأفريقية. ولعل الجميع على علم بعلاقات الأمن والدفاع الوثيقة بين الهند والعديد من الدول الأفريقية على مر السنوات الماضية.

كما أننا ندعم بعضنا البعض على المستوى الدولي و لدينا اهتمامات مشتركة فيما يتعلق ببعض القضايا الدولية مثل مسألة إصلاحات مجلس الأمن للأمم المتحدة و مكافحة الإرهاب و حفظ السلام و الأمن السيبراني و أمن الطاقة.

و لعل من بين أوجه التعاون الهامة بين الهند وأفريقيا هو التواصل بين الهند و أبناء الهند في المهجر المقيمين في القارة الأفريقية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأشخاص من ذوي الأصول الهندية في كافة بقاع العالم، سواء في العالم الغربي، أو الخليج أو الشرق الأوسط أو آسيا أو أفريقيا، يلعبون دورا رئيسيا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدول التي استقروا بها علاوة على التزامهم بالحفاظ على روح الهندي وقيمها و ثقافتها  في أسلوب حياتهم. و تشهد العلاقات بين الهند و أفريقيا حالة من الزخم و التنامي، و يكمن التحدي في تلك العلاقة في العمل على الحفاظ على هذا الزخم والتأكيد على أن نسير قدما بتلك العلاقة على أساس من الأمن والتنمية والنمو لما فيه صالح شعوبنا. و إنني لعلى ثقة من أن المبادئ العشر التوجيهية التي أبرزها رئيس وزراء الهند السيد/ ناريندرا مودي لتعزيز التعاون مع أفريقيا ستفتح آفاقا هائلة للشراكة بين الجانبين.

أيها الأصدقاء،

لقد أصبحت أفريقيا اليوم تشغل حيزا و مكانة بارزة في منظومة السياسة الخارجية بالنسبة للهند. ويسعدني أن أشير في هذا الصدد إلى أن العلاقات بيننا لم تنحصر في المجال السياسي فقطن ولكنها ازدهرت و أصبحت متعددة الأوجه حيث يقدم كل منا للآخر إسهاما ذو قيمة كبيرة.

و ستساهم العلاقات القوية بين الهند وأفريقيا في إعادة تحديد معالم النظام العالمي وجعله يتسم بالعدالة بصورة أكبر.ولا يجب ألا نتوقع أقل من ذلك من هذا النموذج والمثال المشرق لتعاون الجنوب-الجنوب.

اسمحوا لي أن أختتم كلمتي بالقول، في مسيرة أفريقيا نحو الأمن و التجديد و الرخاء، فإن الهند ستضل شريكا لها يمكن الاعتماد عليه و ستعمل مع أفريقيا عن كثب من أجل التمكين الاقتصادي والاجتماعي لأبنها. تحيا الصداقة الهندية-الأفريقية…