عماد الدين حسين: زاد الفقر.. فصعد اليمين المتطرف

عماد الدين حسين: زاد الفقر.. فصعد اليمين المتطرف

قبل أيام كنت سعيد الحظ، حينما قابلت نخبة من خبراء الاقتصاد المرموقين فى منزل صديق عزيز. لكن مجمل كلامهم هو أن العالم مقبل على فترة عصيبة للغاية اقتصاديا.

أولهم وهو خبير دولى بارز، لفت النظر إلى أن المجلة الاقتصادية المعروفة عالميا، وهى الإيكونوميست قد نشرت قبل سنوات غلافا ظنه البعض وقتها ضربا من الخيال.

الغلاف كان لخريطة للعالم، لكن لا توجد عليها قارة أوروبا القديمة، ربما باستثناء بقايا لألمانيا. وحتى المانيا ــ وهى الثالثة عالميا من حيث الإنتاج الصناعى بعد أمريكا والصين ــ يشعر أهلها بالقلق. حيث كشفت دراسة قبل أسابيع عن أن نصف الألمان خائفون من المستقبل، ومن السقوط فى دوامة الفقر بعد التقاعد.

ما يعزز الحديث والمخاوف من الازمة العالمية، هو الخسائر الكبيرة التى تعرضت لها أسواق المال العالمية فى 2018، والتى تبين انها الأكبر منذ الأزمة المالية عام 2008.

طبقا لبيانات حديثة جدا فإن عام 2018 كان الأسوأ لبورصة «وول ستريت» الامريكية، وخسر مؤشر «داو جونز» الصناعى 1656.82 نقطة بما نسبته 6.7 %. وتراجع مؤشر «ناسداك» التكنولوجى بنسبة 4.6%، و«ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 7 %، وسهم شركة «جولدمان ساكس» صاحب أسوأ أداء خلال العام، بخسائر نسبتها 35 %.

الخسائر لم تكن أمريكية فقط، ففى أوروبا، هبط مؤشر «يورو ستوكس 600» الرئيسى بنسبة 13% خلال العام، وهى أكبر الخسائر منذ الأزمة المالية فى 2008.

ومن أمريكا وأوروبا إلى آسيا، فقد تراجع مؤشر «شنغهاى» الصينى بنحو 25%، ومؤشر «نيكى» اليابانى 15.5%، ومؤشر «هانغ سينغ» فى هونغ كونغ بنسبة 13.5%، فيما هبط مؤشر «توبكس» الآسيوى الأوسع نطاقا بنسبة 21.5%.

الخبراء يقولون إن التراجع العالمى الاقتصادى عموما وليس فقط فى البورصة، يعود لعدة عوامل، من بينها اضطرابات تراجع الانتاج، والعلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وتباطؤ معدلات النمو الاقتصادى العالمى، وتطورات مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى «بريكست»، والانخفاضات الملحوظة فى أسعار النفط.

تفسير ذلك أن أوروبا شاخت أو هى فى طريقها إلى ذلك. مظاهر الشيخوخة لا تبدو فقط فى البورصات المالية أو فى انخفاض معدلات المواليد، ولكنها أوضح ما يكون فى المظاهرات والاحتجاجات التى شهدتها الشوارع الفرنسية خلال الأسابيع الماضية وسميت بـ«السترات الصفراء»، والتى كادت تتكرر فى عواصم غربية أخرى مثل بروكسل معقل الاتحاد الأوروبى.

صعود اليمين المتطرف هو أحد مظاهر الأزمة الاقتصادية العالمية. بل إن البعض يعيد التذكير بما شهده العالم فى الأزمة الاقتصادية العالمية الشهيرة عامى ١٩٢٩ و١٩٣٠، والتى قادت إلى ظهور النازية فى ألمانيا، والفاشية فى إيطاليا والقومية فى اليابان، وأدت إلى سقوط أكثر من خمسين مليون قتيل فى الحرب العالمية الثانية.

شىء من هذا القبيل ــ مع الفارق بالطبع ــ يحدث الآن، ونرى تمددا وانتشارا كبيرا لليمين المتعصب فى العديد من بلدان العالم بما فيها ألمانيا، التى اضطرت إلى تطويع بعض سياساتها ــ خصوصا الهجرة ــ لتلبى بعض مطالب المتطرفين، أو على الأقل لا تصطدم بهم.

أحد أبرز مظاهر صعود المتطرفين، هو وصول دونالد ترامب للسلطة فى الولايات المتحدة، قبل نحو عامين، ثم وصول جايير بولسنارو إلى رئاسة البرازيل قبل شهرين، وما بين هذين الحدثين، رأينا تغيرا كبيرا فى مزاج المواطنين، سببه الأساسى هو الأزمة الاقتصادية، التى مثلت الرافعة التى مكنت اليمين العنصرى من الصعود المستمر عالميا.

إلى أين سنذهب مع هذا المناخ الصعب، حيث تنسحب أمريكا من اتفاقية المناخ، وربما تلحقها البرازيل ودول اخرى، ويقود ترامب بلاده لمزيد من الحروب التجارية والسياسية مع الجميع، مع أصدقائه قبل خصومه، ويقل التسامح خصوصا للمهاجرين من الجنوب للشمال؟!

كل ذلك يتزامن مع تراجع الإنتاج العالمى، وزيادة المديونيات والعجز فى الموازنات، والأهم شعور غالبية المواطنين فى العالم بالفجوات الهائلة بين شديدى الثراء والفقر، لدرجة تدفع بعض الخبراء العالميين للتوقع بأفول النموذج الليبرالى الراهن بشكل مؤلم، حينما تسيطر التكنولوجيا على كل شىء، وتخسر البشرية فرص عملها، وترتفع البطالة بسرعات قياسية، وهو موضوع يحتاج لنقاش مفصل لاحق إن شاء الله.

مرة أخرى نسأل: ما تأثير كل ذلك على المنطقة العربية وعلى مصر؟!