الفتن الجديدة في عالمنا العربي

الفتن الجديدة في عالمنا العربي

د.سالم الكتبي
لا أدري لماذا أصبح موضوع حقوق المرأة مطروحًا بهذا الشكل في العديد من الدول العربية في الوقت الراهن!فهناك ما يشبه الحملات المنظمة التي تستهدف اثارة جدل مجتمعي واسع بشأن هذه الحقوق سواء من مداخل دينية مثل الحق في الميراث، أو من مداخل ثقافية مثل تعدد الزوجات والملابس وغير ذلك من قضايا وموضوعات، فمسودة قانون المساواة في الميراث لم تثر الجدل في تونس وحدها، على سبيل المثال، بل كانت محور خلافات مجتمعية في دول أخرى.

طرح موضوع حقوق المرأة بشكل يوحي بأن العالم العربي يتعرف للمرأة الأولى على هذه الحقوق، أو أنها مسألة مستحدثة في الوعي الجمعي ولم تستقر بعد سواء من خلال الفقه الشرعي الممتد لنحو أربعة عشر قرنًا مضت، أو بفعل التقدم والتطور الحضاري، الذي يجعل الحديث سلبًا عن مسألة حقوق المرأة الآن مسألة لافتة للانتباه!.

أحد أهم أسباب هذه الظاهرة وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت تمارس دور رقابة على كل شيء تقريبًا من دون أي معايير أو حدود، فالكل يتحدث في آن واحد، والمعايير واسعة فضفاضة، ومن الصعب جدًا بناء أي حالة من التوافق المجتمعي في ظل هذا الفضاء الواسع من الآراء والمواقف.

ولاشك أن غياب أو قصور التشريعات الخاصة بحماية الحريات العامة وثوابت المجتمعات ومبادئها، عبر وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يفسر تفشي هذه الظاهرة في الكثير من الدول العربية، فالشتائم والسباب بلا حدود بات مظهرًا من مظاهر التفاعل من كل حدث، وهذه الأمر يسهم في رفع سقف الفوضى ونسف ما تبقى من حماية للحريات الفردية.

الإشكالية الأهم، برأيي، أن ترك الأمر لفوضى وسائل التواصل الاجتماعي يمكن ان يصيب المجتمعات بأضرار عميقة على المدى البعيد، فما يحدث على الانترنت ينتقل إلى الشارع والعكس، وبالتالي فالفوضى الانترنتية تغذي مظاهر الفوضى والممارسات المسيئة في المجتمع، وتحفز البعض على ترجمة ما يقرأه عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي إلى سلوكيات منافية لكل المبادئ والقيم الأخلاقية المتعارف عليها.

وكي لا يفهمني البعض بشكل خاطئ، لا أعني هنا فرض الرقابة والقيود على وسائل التواصل الاجتماعي أو حظرها، ولكني أتحدث عن أهمية التشريعات الخاصة بنبذ الكراهية والتنمر والحفاظ على مبادئ المجتمعات وثوابتها الأخلاقية وحمايتها من الاعتداءات المقصودة وغير المقصودة.

يجب أن نعترف بأن هناك بعض الموضوعات التي تستحق المعالجة بمعزل عن الجدل الفيسبوكي، مثل تجديد الخطاب الديني، فهذا الموضوع لا يزال يراوح مكانه رغم انعقاد عشرات، بل مئات الفعاليات البحثية والندوات والمؤتمرات والمحاضرات، التي كان النقاش حول الخطاب الديني ومآلاته وكيفية تجديده، محاور أساسية لها، ولكن الحقيقة أن كل ذلك لم يحرك ساكنًا على هذا الصعيد، ولا تزال الدعوات تطرح لتجديد الخطاب الديني، ولا يزال الجدل سائدًا حول آليات التجديد ومستهدفاته، وهل يشمل الفقه أم النصوص؟ ناهيك عن الجدل المحتدم حول القرآن والسنة.

حتى المفهوم لم يتم الاتفاق عليه، وهل يحتاج العرب والمسلمين تجديدًا أم إصلاحًا للخطاب الديني؟ فتارة يستخدم مفهوم الإصلاح ويستخدم مفهوم التجديد تارة أخرى، ورأيي أن التجديد يمكن ان يكون أخف وطأة على معارضي إعادة النظر في الخطاب الديني السائد، فالإصلاح مفهوم لغوي ربما يوحي لهؤلاء بأن ثمة توجه نحو التخلص من اعوجاج قائم في الخطاب الديني، ولكن التجديد أمر محمود ولا علاقة له بأخطاء قائمة، بل يستهدف بالأساس الأخذ بالاعتبار متغيرات العصر وما طرأ على المجتمعات نتيجة التطور التكنولوجي، مثل الطلاق بالرسائل النصية، او عبر تطبيق “واتساب”وغير ذلك من أمور، أي تحديث الفقه بما يتناسب مع لغة متغيرات العصر، حتى لا ينفصل الدين عن حياة الناس أو يصاب بالجمود في معالجة الظواهر والإشكاليات اليومية الحديثة، ولاسيما ان هناك إجماع بين الفقهاء على أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، بحيث يصبح التجديد هو تجديد لفهم العلماء والفقهاء للأحكام وليس للأحكام ذاتها، التي تعتبر من المسلمات والثوابت الشرعية.

وقد أعجبني قول فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين، الدكتور أحمد الطيب حين قال “كلنا مقصرون وخائفون من التجديد، هناك من هو خائف من أتباعه، وآخر يخاف من الجمهور، وآخر يخشى من المسؤولية أمام الله يوم القيامة، وأضاف “هناك مثبطات كثيرة.. لكن يجب أن نضرب عرض الحائط بكل ذلك، وننزل إلى أرض الواقع ونرى واقع الناس، لأن الشريعة جاءت لإسعاد الناس”.

لا نريد أن نرى مزيدًا من الخلافات والفتن في عالمنا العربي والإسلامي، بل نريد استقرارًا وأمنًا وتوافقًا حول ثوابت المجتمعات، كي يمكن التفرغ لتنمية تنتشل ملايين الشباب العربي والمسلم من فتن أشد وأقسى مثل البطالة والفراغ وغير ذلك.