قراءة في بعض نصوص قانون الجمعيات المصري رقم 70 لسنة 2017

قراءة في بعض نصوص قانون الجمعيات المصري رقم 70 لسنة 2017

بقلم الدكتور ـ حازم عيسوى :

تمهيد:

وُجهت للقانون 70 لسنة 2017 العديد من الانتقادات أبرزها، فلسفة هذا القانون التي تعكس نظرة الريبة والشك التي تنتاب مؤسسات الدولة المصرية حيال فكرة التطوع والمبادرات الجماعية. وفي إطار تلبية الدعوة للحوار المجتمعي حول تعديل هذا القانون سوف نلقي الضوء في هذا المقال على بعض أوجه العوار التي تضمنتها مواده.

 

أولًا: العودة لفلسفة القانون 32 لسنة 1964.

 

اشترط القانون أن يتوافق مجال عمل الجمعيات مع احتياجات المجتمع وخطط الدولة في التنمية، وهو الشرط الذي يمثل عودة صريحة لقانون الجمعيات الأسبق رقم 32 لسنة 1964 والمعروف بقانون تأميم العمل الأهلي. حيث يُسمح للحكومة برسم خطة عمل المجتمع المدني والتعامل معه باعتباره أحد إدارات الأجهزة الحكومية.

 

ثانيًا: شبهة عدم الدستورية في بعض النصوص.

 

وقد شاب القانون العديد من شبهة المخالفات الدستورية في أكثر من موضع. ففي حين نصت المادة (2) من القانون على أن يكون تأسيس الجمعية بموجب إخطار يقدم إلى الجهة الإدارية المختصة على النموذج الذي تحدده مستوفيا كافة المستندات، وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد تقديم هذا الإخطار، إلا أن المادة (9)  منحت جهة الإدارة الحق في إيقاف القيد، وألقت على المؤسسين عبء اللجوء إلى القضاء للطعن على هذا القرار، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تحوّل الإخطار المنصوص عليه في الدستور لتأسيس الجمعيات الأهلية إلي ترخيص.

 

ثالثًا: إطلاق يد جهة الإدارة في وقف نشاط الجمعيات.

 

كما أطلق القانون يد الإدارة في وقف نشاط الجمعيات، حيث أجازت المادة (26) منه للجهة الإدارية أن تصدر قرار بوقف نشاط الجمعية لمدة لا تجاوز سنة، إذا ما ارتأت الإدارة أن الجمعية قد خالفت اشتراطات جمع التبرعات أو الحصول على التمويل، أو لم تعلن عن أي منها على موقعها الالكتروني، بدون اشتراط اللجوء إلى المحكمة المختصة.

 

رابعًا: تجميد عمل المنظمات غير الحكومية الأجنبية، وإعاقة المنح الأجنبية.

 

1-         الطبيعة الأمنية للجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية.                                                            استحدث القانون جهازا جديدا يسمى “الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية”، ويشكل الجهاز من 10 أعضاء كالتالي: ممثلي 3 جهات أمنية (وزارتى الدفاع والداخلية وجهاز المخابرات العامة)، بالإضافة لممثلي 4 وزارات (الخارجية، والعدل، والتعاون الدولي، والوزارة المختصة بالجمعيات)، وممثل للبنك المركزي، وآخر عن وحدة مكافحة غسيل الأموال، والأخير عن هيئة الرقابة الإدارية. وأعطى القانون لهذا الجهاز الصلاحية الكاملة في متابعة المنظمات الأهلية الخاضعة للقانون والإشراف عليها.

 

2-         قواعد غير منضبطة لتلقي المنح الأجنبية.

 

ما يلفت الانتباه في هذا القانون هو طريقة تعامل المشرع مع ضوابط قبول المنح المالية الأجنبية سواء من الخارج أو من  الداخل، وكذلك إرسال وتحويل المنح والأموال من الجمعيات الوطنية للخارج، بالإضافة إلى أسلوب اتخاذ القرارات في الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية الغير حكومية.

 

أ‌-          ضوابط قبول المنح وإرسالها للخارج (المادة 24)

وعلى الرغم من كفالة نص المادة 24 من القانون حق للجمعيات في تلقي الأموال من الأشخاص الطبيعية والاعتبارية الوطنية والأجنبية، إلا أن النص جاء مبهمًا وغامضًا، ورتب عددًا من القيود الواضحة، التي تفرغ هذا الحق من مضمونه وتضع عليه قيودا عديدة وهي الآتية:

* قرار تنظيمي لكل منحة على حدة

كلف نص المادة الوزير المختص بإصدار ما أسماه قرارا منظما لإجراءات تلقي أموال المنحة، على أن يصدر هذا القرار خلال 30 يوم عمل من تلقي الأموال ودخولها الحساب البنكي للجمعية. وهو ما يعني أن هذا القرار هو قرار لكل منحة منفردة، ولم يضع نص المادة تعريفا للمقصود بإجراءات تلقي المنحة، مما يشير إلى إمكانية تدخل الوزير المختص في أوجه صرف المنح.

* تدخل الجهات الأمنية في قبول المنح

حيث ألزم القانون الوزير المختص بأخذ رأي الجهاز في هذا القرار، خلال ثلاثين يوما من تاريخ دخول المنحة للحساب الخاص بالجمعية، ما يعني ايضا إمكانية تدخل هذا الجهاز ذي الصبغة الأمنية في تحديد أوجه صرف الأموال التي ستدخل للجمعيات.

 

ب – غموض الإخطار عن تلقي المنح .

اختتم المشرع نص الفقرة الأولى من المادة 24 بحق الجهاز في الاعتراض خلال 60 يوم عمل من تاريخ الإخطار، دون توضيح لماهية الإخطار المذكور. فالمادة لم ترتب أي واجبات على الجمعية بخصوص تلقي المنح إلا أن تتلقاها في حسابها البنكي وتدونها في سجلاتها، والزمت الوزير المختص بإصدار قرار لتنظيم إجراءات وقواعد تلقي المنحة، بعد أخذ رأي الجهاز. ثم فجأة أعطت المادة الحق للجهاز في الاعتراض خلال ستين يوما من تاريخ الإخطار، دون تحديد من هو المُخطر، وما هو الشيء المخطر عنه.

 

ج- اعتبار صمت الجهاز بمثابة قرار برفض المنحة

ألزمت الفقرة الثانية من المادة الجمعية بعدم صرف الأموال الممنوحة لها خلال فترة الستين يوم عمل، واعتبرت أن صمت الجهاز يعد بمثابة عدم موافقة على المنحة ورفضا لها. وهو ما يعني أن للجهاز الحق في رفض المنحة دون إبداء أية أسباب، مما يوسع من سلطته  إزاء قبول ورفض المنح المختلفة، مستنداً على أسباب فنية أو إدارية، أو مرتكزاً إلى السبب الأكثر شيوعا، وغموضا في الوقت نفسه، وهو الإخلال بالأمن القومي والنظام العام والآداب العامة.

 

د – التصريح الكتابي لتحويل الأموال

اشترطت المادة على الجمعيات التي ترغب في إرسال أو تحويل أموال إلى أشخاص أو منظمات في الخارج أن تخطر الجهاز وتحصل على موافقته الكتابية بشكل مسبق، من دون وضع مهلة زمنية للجهاز للرد على هذه الطلبات.

 

2 – التفويض فيما لا يجوز التفويض فيه

لم يتحدث القانون عن الإجراءات الواجب اتباعها في حالة رفض الجهاز طلب الجمعية بتلقي المنحة، واكتفى بإحالة هذا الأمر إلى اللائحة التنفيذية، كما أحال للائحة لتحديد إجراءات القواعد الخاصة بتلقي المنح والتي سيصدر بها قرار من الوزير المختص بعد أخذ رأي الجهاز محددا إياها لكل منحة على حدة.

وبذلك، أحال القانون للائحة أمرا جوهريا من الممكن أن يتسبب في فراغ تشريعي لمدة طويلة، وتعطيل مصالح الحمعيات.  واختتم المشرع نص المادة بالإحالة إلى اللائحة التنفيذية لتنظيم إجراءات الإخطار وما يتضمنه من مستندات، دون تحديد أي من الإخطارين المذكورين في المادة يقصد.

 

خامسًا: طريقة اتخاذ القرارات بالمجلس، وصلاحيات مجلس الوزراء

 

ألزمت المادة 73 المجلس (الجهاز) باجتماع دوري ثابت كل شهر مع التصريح لرئيسه أو أي من أعضائه بطلب اجتماعات أخرى كلما دعت الحاجة لذلك، ما يشير إلى حرص المشرع على انتظام وتيرة العمل بالجمعيات الأهلية وعدم تعطلها بناء على عدم اجتماع الجهاز، إلا أن ما ورد من قيود على النصاب اللازم لاجتماع الجهاز واتخاذ قراراته يثبت عكس ذلك.

 

1-         نصاب الانعقاد يشل فاعلية مجلس إدارة الجهاز.

حيث وضع نص المادة (73) نصابا لصحة انعقاد مجلس إدارة الجهاز وهو أغلبية أعضائه ما يعني أن اجتماعات الجهاز تصبح سليمة إذا حضرها 6 من أصل 11 عضو. وفي نفس الوقت، اشترط القانون أن تؤخذ قرارات المجلس بأغلبية ثلثي عدد الأعضاء ككل وليس ثلثي الحضور. وبذلك، لا يمكّن نصاب الانعقاد للمجلس صلاحية اتخاذ القرارات، مما يلغي الفائدة من الزامه بالالنعقاد دوريًا.

 

2-         الرفض الضمني للقرارات المعروضة كأثر لعدم اكتمال النصاب.

اعتبر القانون أن عدم اكتمال النصاب اللازم للتصويت على القرارات المعروضة على مجلس إدارة الجهاز، بمثابة رفض لهذه القرارات. وبذلك أوجد القانون وضعا شاذا. فبدلا من ارجاء التصويت على القرارات المطروحة للمناقشة لحين اكتمال النصاب، وهو الإجراء المعمول به في كافة القوانين المنظمة للتصويت بداية من النقابات ومجالس إدارة الشركات وحتى البرلمان، نجد أن القانون اعتبر عدم اكتمال النصاب بمثابة رفض للمواضيع المطروحة، ما يعني أن المجلس قد يرفض مواضيع معروضة عليه دون مناقشتها من الأساس.

 

3-         أقصى درجات المركزية في اتخاذ القرارات.

في محاولة لحفظ التوازنات السياسية ولبقاء الباب مفتوحًا لبعض المراجعات إذا حدثت، فيما يتعلق بالمنح الأجنبية المرتبطة بعلاقات الدولة المصرية، ترك القانون بابًا لمجلس الوزراء للتدخل في قرارات المجلس، وألزمت الفقرة الأخيرة من المادة 73 المجلس بتبليغ قراراته لرئيس مجلس الوزراء خلال سبعة أيام من إصدارها، وأعطت الأخير الحق في إعادتها للدراسة مرة أخرى خلال سبعة أيام تالية. ما يعني أن قرار قبول المنح الأجنبية قد يحتاج لموافقة رئيس مجلس الوزراء بعد المواعيد المطولة سالفة البيان.