معايير تقييم مصداقية الإنترنت

بقلم : د. شريف درويش اللبان

أصبحت مصداقية الإنترنت بشكلٍ عام ومصداقية المواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي بشكلٍ خاص على المحك أكثر من أي وقتٍ مضى؛ فحرب الشائعات تُشن ليل نهار على الدولة المصرية من ميليشيات إلكترونية لا هَمَ لها إلا تقويض أركان الدولة وإسقاطها، وخلق حالة من عدم اليقين في الحاضر والمستقبل، بما يخلق حالة عامة من اليأس والإحباط. وعلاوة على ذلك، لا نستطيع أن نُغمض العين عن الصفحات والمواقع المزيفة على الإنترنت وشبكات التواصل التي تنشر الأخبار المزيفة ليلَ نهار بغية الاغتيال المعنوي للرموز السياسية التي نحترمها جميعًا، ولها في قلب المصريين مكانة. ناهيكم عن الإنترنت “المظلم” وهي تلك البقعة المعتمة من الإنترنت التي لا تتورع على نشر الرذيلة والفاحشة في العالم أجمع بدايةً من نشر الإباحية وزنى المحارم حتى إعداد القنابل والمتفجرات بخاماتٍ محلية لخدمة الإرهابيين الذين يستهدفون مجتمعاتهم بالقتل والدمار وسفك الدماء. ولعل هذا كله ما حدا ببعض خبراء العالم إلى القول بأن الجمهور سيعود تارةً أخرى إلى وسائل الإعلام التقليدية لأنها لا تزال تتمتع بمصداقية أكبر.

 

وربما يرجع السبب الكامن وراء ذلك إلى أنه على الرغم مما تتمتع به الإنترنت من مزايا، إلا أن الآليات الكفيلة بالتحكم الأمثل فيها غي كافية، ما أحدث فجوة بين التحفظ على مصداقية هذه الشبكة من جهة، ومن جهة أخرى عدم إمكانية الاستغناء عن هذا المصدر الذي لا يضاهيه أي مصدر آخر على الأقل فيما يخص جوانبه الإيجابية من حيث الكم الهائل من المعلومات التي يتيحها.

 

في هذا الإطار، صدر مؤخرًا كتابٌ جديد للدكتورة شيرين محمد كدواني الأستاذ المساعد بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة أسيوط عن “العربي للنشر والتوزيع” يناقش مفاهيم الموضوعية والعدالة والشمولية والتوازن التي تتخذ أشكالًا جديدة في بيئة الإنترنت تجعل من الصعب تحقيقها بشكلٍ حرفي؛ نظرًا لغزارة المعلومات والأخبار، وتعدد المصادر وتباين مصداقيتها، فضلًا على عدم القدرة على تقصي مصداقية المواقع، وتباين المعايير التي يمكن الاستناد إليها في الحكم على مصداقية المحتوى الإعلامي، واختلاف طرق التثبت من مصادر المعلومات في بيئة متداخلة يصعب فيها التأكد من الهوية الحقيقية للمصادر، مع قلة الوقت المتوافر لفحص والمعلومات والتحقق من مدى صدقيتها، ومحاكاة المواقع الإلكترونية بعضها للبعض الآخر، ونشرها لبعض الأخبار دون التحقق من مصداقيتها اعتمادها على نشرها في مواقع أخرى.

 

وتسعى د. شيرين كدواني في كتابها إلى تقديم إسهامٍ نظري راقٍ يساعد في فهم كيفية تقييم مصداقية الإنترنت، حيث يستعرض الكتاب مفهوم مصداقية الإعلام، ونشأة وتطور الاهتمام بدراستها، وآليات قياسها بمستوياتها المختلفة، واستعراض أهم العوامل المؤثرة على إدراك مصداقية وسائل الإعلام بشكلٍ عام. ويتناول الكتاب تفصيلًا مصداقية الإنترنت وأبعادها ومستوياتها، وخصائص الشبكة الداعمة لمصداقيتها، والتحديات التي تواجهها، علاوة على استعراض عددٍ من الأطر النظرية التي تفسر كيفية تقييم مستخدمي الإنترنت لمصداقيتها، وأهم العوامل المؤثرة على تقييمهم لمصداقية الشبكة، مع طرح معايير تقييم مصداقية معلومات شبكة الإنترنت التي وضعها باحثون ومؤسسات متخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

 

وتقدم الباحثة في كتابها دراسة ميدانية استهدفت الكشف عن تقييم مستخدمي الشبكة من الجمهور المصري لمصداقية الإنترنت مقارنةً بوسائل الإعلام التقليدية، وهو ما يساهم في تقديم تراكمٍ علمي يمد القائمين بالاتصال في وسائل الإعلام بمؤشر للآليات التي تكتسب من خلالها وسائلهم المصداقية، وبما يساعدهم في تطوير أدائهم المهني لكسب ثقة جمهورهم من خلال تحقيق مستويات أعلى للمصداقية.

 

وفي خاتمة الكتاب، وضعت الباحثة خلاصة دراستها لمصداقية شبكة الإنترنت مدعمة بتصميم نموذجٍ يوضح مجمل الجوانب المختلفة المتعلقة بالمصداقية على شبكة الإنترنت، وذلك للمساهمة في تأسيس مرجعية نظرية مصرية وعربية في هذا المجال البحثي في ظل الحرية التي تنعم بها هذه الشبكة، وعدم وجود إطار أخلاقي وقانوني موحد ينظم النشر على شبكة الإنترنت. نقلا عن روزاليوسف