إحياء القضية الفلسطينية

إحياء القضية الفلسطينية

بقلم : محمود حبسة

كثيرة هي الأزمات التي عاشتها المنطقة خلال الفترة الأخيرة لاسيما مع تنامي خطر “التسونامى العربي” الذي هدد وجود ووحدة واستقلال الدولة العربية، وأخرج دولا كانت فاعلة في النظام العربي مثل سوريا، ومع انتشار ظاهرة الإرهاب التي وجدت في المنطقة البيئة الحاضنة لها.

 

ثم كان وصول الرئيس الأمريكي ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، وسعيه وبوضوح إلى قلب موازين السياسة في المنطقة والعالم، والحصول على أكبر قدر من أموال وثروات المنطقة، والتأكيد فقط على مصالح أمريكا وإسرائيل.

 

ثم كانت الأطماع التي طفحت إلى سطح الحياة السياسية في العالم العربي من جديد وألقت بظلالها الكئيبة على واقع ومستقبل الأمة العربية لتضيف إلى المخاطر التي تهددها خطرا جديدا ليس أقل خطورة، ولعل أخطرها الأطماع الإيرانية لاسيما مع تنامي قوة جماعة الحوثيين في اليمن واستيلائهم على السلطة، ما يمهد لبسط النفوذ الإيراني على منطقة الخليج وهيمنة طهران على مقدرات المنطقة وثرواتها خصوصا مع اتساع دائرة نفوذها في عدد من العواصم العربية مثل بغداد ودمشق وبيروت.

 

دفعت كل هذه العوامل وغيرها القضية الفلسطينية إلى التراجع إلى الخلف كثيرا حتى أنها لم تعد على صدارة جدول اللقاءات الرسمية للقادة والزعماء العرب كما كانت، قد تكون بندا من بنود يبحثها القادة العرب في لقاءاتهم الثنائية أو على مستوى القمة العربية ولكنها لم تكن بكل تأكيد البند الأهم والأولى بالرعاية والمتابعة والاهتمام، فما بين انشغال البعض بمواجهة خطر الإرهاب وانشغال البعض الآخر بالتصدي لمؤامرات ومخططات دول جارة وشقيقة وانشغال فريق ثالث بحروب أهلية وفتن داخلية طائفية ودينية ومذهبية سار حال معظم الدول العربية, وكانت مصر وبشهادة الواقع على التزامها بالقضية الفلسطينية وكان جل الاهتمام المصري ينصب على تحقيق المصالحة الفلسطينية ورأب الصدع الذي أضر بها كثيرا ومنع الحيلولة دون تفجر الأوضاع في غزة حماية لأرواح الشعب الفلسطيني وكان تصدي القاهرة لقرار الرئيس الأمريكي ترامب نقل سفارة بلاده للقدس والمعركة التي خاضتها الدبلوماسية المصرية في المحافل الدولية خير دليل على ذلك.

 

وجاءت الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي لتشهد القضية الفلسطينية طاقة نور تبشر بقرب خروجها من هذا النفق المظلم وعودتها من جديد لتتصدر المشهد السياسي على المستويين الإقليمي والدولي، وذلك من خلال الكلمة التي ألقاها الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته فيها وخلال لقائه بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.

 

لم تكن كلمات الرئيس مجرد جمل استهلالية أو عبارات لكسب شعبية عربية زائفة ولكنها جاءت من واقع التزام مصر تجاه قضية العرب الأولى ومن واقع إحساس مصر بمسؤوليتها تجاه حماية شعب الفلسطيني والحفاظ على حقوقه التاريخية كما جاءت كلمة الرئيس في هذا الخصوص من منطلق إدراك مصر لخطورة ما وصلت إليه القضية من تدنٍ وتراجع على كل المستويات وضرورة تحديد المسؤولية.

 

أعطى الرئيس السيسي القضية الفلسطينية زخما كبيرا دفع بها إلى النور عندما أكد أن القضية الفلسطينية هي خير دليل على أن النظام الدولي غير عادل ويعاني خللا، وأن مصداقية المنظمة الدولية على المحك خاصة بالنسبة لشعوب المنطقتين العربية والإفريقية، وعندما يطرح الرئيس سؤالا ينطق به كل عربي وإفريقي وبل وكل ذي ضمير حي عندما سأل لماذا لم يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة للعيش في كرامة وسلام في دولة مستقلة تعبر عن هويته الوطنية وآماله وتطلعاته؟, وعندما يؤكد الرئيس أنه لا بد من إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف وفقا لمرجعيات الحل العادل ومحددات التسوية النهائية وعندما يقول أننا نرفض استغلال أزمات العرب في تحقيق أطماع البعض.

 

حمل الرئيس العالم أجمع والمنظمة الدولية على وجه الخصوص المسؤولية فيما آلت إليه وفيما يعاني منه الشعب الفلسطيني من ضياع لحقوقه وفي مقدمتها أن يعيش تحت لواء دولة مستقلة وطنية ذات سيادة، عندما أكد أن القضية الفلسطينية تقف دليلا على عجز النظام الدولي والمنظمة الدولية عن إيجاد حل عادل للنزاعات يستند إلى الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة.

 

أهمية الرسائل التي وجهها الرئيس في هذا الصدد أنها جاءت في وقت يتحدث فيه الرئيس الأمريكي ترامب عن عزمه إحياء عملية السلام، وبذلك فقد قطع الرئيس الطريق على مساومات ترامب عندما قال أنه لا مجال لإضاعة الوقت في سجال والمطلوب فقط هو توافر الإرادة السياسية، فالرئيس الأمريكي يتحدث عن إحياء عملية السلام في الوقت الذي اتخذ فيه عددا من الإجراءات بهدف القضاء على القضية الفلسطينية وإلغاء حقوق الشعب الفلسطيني ومسح مسيرته النضالية بدءا من تخليه عن فكرة حل الدولتين كخيار يحظى بإجماع دولي لإنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وانتهاء بغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وطرد السفير الفلسطيني مرورا بنقل سفارة أمريكا للقدس رغم كل الاعتراضات العربية والإسلامية والدولية وكذا تخفيض ثم منع المساعدات الأمريكية عن منظمة الأونروا التي تهتم برعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين، كما تكتسب رسائل الرئيس الواضحة بخصوص القضية الفلسطينية وفي هذا المحفل المهم أهمية خاصة في ظل ما تحظى به العلاقة بين الرئيسين السيسي وترامب من إعجاب واحترام متبادل وهو ما يؤكد أن مصر تعلي من قيمة الحق على أي قيمة أخرى وأنها لا تساوم على التزاماتها القومية تجاه قضايا أمتها العربية وفي المقدمة القضية الفلسطينية.