مشروع قانون الأحوال الشخصية يعيد المرأة إلى نقطة الصفر!

مشروع قانون الأحوال الشخصية يعيد المرأة إلى نقطة الصفر!

بقلم ـ د . عزة بدر :
من الهدية إلى نفقة الزوجية إلى العلاقة شديدة الخصوصية بين الزوجين إلى إفزاع المرأة بأخذ صغارها من أحضانها، إلى حبس الزوج لو تأخر في رد أطفالها عند الرؤية، تأتى بنود مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي أعدته لجنة حزب الوفد، وأتساءل لماذا لا يطرح مشروع هذا القانون لمناقشة مجتمعية فيُعرض على مؤسسات اجتماعية، ومنظمات نسائية مهتمة بشأن المرأة، وفقهاء وعلماء يهتمون بحقوق المرأة الدستورية لا بحقوقها حسب الفتاوى الدينية التي قد لا تراعي تغير الظروف والأحوال الاجتماعية والاقتصادية ولم تدرس وضع المرأة وحقوقها حسب هذه المتغيرات.

ومع كل تقديري واحترامي للعالم الجليل سعد الدين الهلالي في ملاحظاته حول مشروع قانون الأحوال الشخصية المنشور بجريدة الأهرام بتاريخ 7 سبتمبر 2018، ص27. (وقد تمت إحالته إليه من قبل المجلس القومي للمرأة باعتباره عضوًا به).

فإن لي بعض الملاحظات حول مشروع القانون وحول رؤية د. سعد الدين الهلالي.

بادئ ذي بدء!

كان يُفترض في اللجنة التي وضعت مشروع القانون أن تستهدف بندًا واحدًا هو “الاستضافة” كما قال الهلالي في مقاله لكن الأمر تطور إلى إعداد مشروع قانون كامل ينظم الأحوال الشخصية في مسائل الولاية على النفس، وكأن القانون الحالي لم ينجح في تحقيق العديد من المكتسبات التي تُعد إنصافًا للمرأة المصرية.

ومع خالص التقدير لأعضاء اللجنة التي أعدت المشروع وقدمته فيمكن ملاحظات الآتي:

المادة (25) التي تنص على “أن الهدايا التي يقدمها الخاطب للمخطوبة، إذا كان العدول من المخطوبة أو بسببها استرد الخاطب هداياها بعينها أو بمثلها أو بقيمتها”، وأرى أن في هذا إيذاء لمشاعر الفتاة أو المرأة التي تضطر إلى فسخ خطبتها لأنها في فترة الخطبة قد استخدمت هذه الهدايا ظنا منها أنها كانت تحببًا وتقربًا إليها فإذا اتخذت قرارا بفسخ الخطبة- مضطرة بالطبع- فإن في مطالبتها برد الهدايا معاناة نفسية تزيد من وطأة إحساسها بفشل الخطبة نفسها، وإذا كانت سترد هدايا الخطيب فلا بد أن تسترد هداياها، وضيافتها وأسرتها للخطيب أيضا، وفي هذا إثارة لحدة النزاع بين الطرفين بدلًا من أن يفترقا دون منغصات وآثار نفسية قد تؤثر على الطرفين في الارتباط مرة أخرى.

وكذلك فالنص المقترح من د. الهلالي هو نص مقبول، لأنه ينص نصًا عادلا على أن الهدايا التي يقدمها الخاطب للمخطوبة حق لها لا تسترد والعكس كذلك.

المادة (41) التي تنص على “أن الشبكة هي جزء من المهر يحق للخطاب استردادها كاملة طالما لم يعقد العقد، وإذا عقد دون الدخول استحق نصفها”.

وفي رأيي أنه قد جرى العُرف على أن الشبكة هدية للعروس يقدمها العريس حسب درجة يساره ولا يُشترط فيها قيمة معينة وحكمها حكم الهدية فلا تسترد حتى ولو كان الفسخ من قبل الخطيبة قبل العقد، تعويضًا لها على الفترة التي التزمت فيها بالارتباط بالخطيب، والتي قد تصل في كثير من الأحيان إلى عدة سنوات! بل الأولى أن تُترك لها الشبكة تطييبًا لخاطرها، لأنها ما فسخت الخطبة إلا لأسباب مهمة أي أنها اضطرت لذلك، وكيف تكون الشبكة جزءا من المهر وهو الذي يستعين به أهل المخطوبة على تجهيز ابنتهم به من (متطلبات ونفقات تأثيث أو المفروشات وغيرها) فهل يبيعون الشبكة ليكملوا تجهيزها؟ أم أنها تظل هدية أو رمزًا احتفاليا بمراسيم الخطبة- ومع قول الهلالي: أن هذا البند استرداد الشبكة يفتح باب المكر بالمخطوبة بتسليمها الشبكة ثم ينال الخطيب من الضيافة ما يشبعه ثم يرجع في الخطبة ويسترد الشبكة بقوة هذا النص كما أن هذا يخالف العُرف الحاكم بجعل الشبكة هدية لتأليف قلب المخطوبة لا علاقة لها بالمهر.

لكنه يعود فيقول في نصه المقترح البديل: “الشبكة هدية للمخطوبة مُعلقة على إتمام العقد فإن فسخت الخطبة استردها الخاطب، إن كان الفسخ من جهة المخطوبة، وإلا كانت من حقها”، وفي هذا تناقض مع رأيه الأول بأن الشبكة هدية لتأليف قلب المخطوبة لا علاقة لها بالمهر، فإذا كان لا علاقة لها بالمهر ولا بإتمام العقد فلماذا تردها المخطوبة؟ وهل هذا عقاب لها على اكتشافها المبكر عدم التوافق. وعلى أنها قد جنبت المجتمع علاقة أسرية قد تفشل فيما بعد في المستقبل.

وفي النص المقترح البديل للدكتور الهلالي أدخل بندا زائدا يزيد الأمر تعقيدا، ويفتح الباب واسعا للخلافات بين الخطيبين التي فسخت خطبتهما، وبين أسرتيهما أيضا، وقد يكلف الطرفين ما لا طاقة لهما به ويُحزن القلوب ويخالف الآية الكريمة “ولا تنسوا الفضل بينكم” (سورة البقرة آية 237).

فالهلالي يقول في بنده المقترح “وُكلفة حفل الخطوبة مناصفة بين الخطيبين في جميع الأحوال إلا إذا تطوع بها أحدهما أو الآخر)، فوضع هذا البند يجعل أحدهما أو كليهما يطالب الآخر بما أنفقه في حفل الخطوبة، إذا تم الفسخ فلا ينبغي وضع نص بخصوص حفل الخطوبة وتكاليفه ويترك للتراضي الاجتماعي ولقدرة الطرفين دون شروط، وأرى أن يُحذف من النص المقترح.

المادة (43) التي تنص على أنه “إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج دون حق توقفت نفقة الزوجة من تاريخ الامتناع”.

وأرى أن هذا النص غير محدد لأننا سندخل في لغز “طاعة الزوج” وإلى أي مدى؛ وفى أي شيء تجب هذه الطاعة أو لا تجب؟ وقد يتم التعسف في استخدام هذا الحق لمنع النفقة على الزوجة وإنما تجب النفقة للزوجة وليست مشروطة بالطاعة. فقد يأمرها بما يُخالف الشرع أو ما لا يُقبل به اجتماعيا أو نفسيًا.

المادة (66) الفقرة الثانية التي تنص على “أنه لا تجب النفقة للزوجة إذا ارتدت أو امتنعت مختارة عن تسليم نفسها دون حق أو اضطرت إلى ذلك بسبب ليس من قبل الزوج أو خرجت من مسكن الزوجية دون إذن زوجها” وهذه المادة بنصها هي عودة حقيقية بالمرأة المصرية إلى نقطة الصفر.. فهذه المادة تعطي للزوج حق التعسف في رفض الإنفاق على زوجته- رغم احتباسها عنده بعقد الزواج!- وفي هذا افتئات على حق الزوجة، سواء سلمت له نفسها أو لم تسلم، فالنفقة لا بد أن تقوم بحكم عقد الزواج واستمراره، كما أن منع النفقة عنها بحجة الخروج من مسكن الزوجية من دون إذن الزوج يفتح المجال واسعا لخلافات وتعسف قد يلحق بالزوجة إذا خرجت للعمل أو لتطبب نفسها أو أولادها أو لتدبير شأن من شؤون بيتها وأسرتها، وأرى حذف هذه العبارة من النص المقترح.

أما الارتباط بين تسليم نفسها له واستحقاقها النفقة فإن هذا معناه أنها تسلم نفسها لقاء أجر، وهو يجعل من المرأة المتزوجة المحصنة المحتبسة بحكم الزواج فيحيلها إلى امرأة بالأجرة، فإذا أعطته نفسها أنفق، وإذا امتنعت لم ينفق وفي هذا زراية بحقوق المرأة كإنسان، بل إنه من آداب الجماع بين الزوجين ألا تطالبه الزوجة قبله بأي هدايا أو مال كما هو معلوم من آداب ذلك بالضرورة، ومن أين يثبت الزوج أنها لم تسلم نفسها من دون وجه حق؟ إن هذا يفتح بابًا للإخلال بخصوصية العلاقة الزوجية حتى في حال التقاضي، وإذا لم تسلم الزوجة نفسها إلى الزوج مضطرة (ويدخل في هذا احتمالات عديدة تتعلق بحال الزوجة وحال الزوج والأسباب التي اضطرتها إلى الامتناع عن المعاشرة)، وطالما كانت مضطرة أيا كانت الأسباب فلماذا تؤخذ منها نفقتها؟! التي هي مستحقة لها كزوجة، وأي احتباس هذا الذي يتم بلا نفقة؟ إن فيه حرمانًا للزوجة من نفقتها، علاوة على تحملها البقاء في زوجيتها رغم عدم تمتعها وقد يكون ذلك حفاظا من جانبها على الأسرة من التفكك أو رعاية للأطفال وخوفًا عليهم من التمزق إن هي طلبت الانفصال، ويُعد هذا إضافة أسباب جديدة لحرمان الزوجة ماديًا بالإضافة إلى الحرمان الجسدي الذي قد تكون قد اضطرت إليه.

ولذا اتفق مع الهلالي في نصه المقترح البديل عن المادتين (43- 66) وهو ” نفقة الزوجة تثبت لها بالعقد وتنتهي بانتهائه لاحتباس عصمتها به، ويحذف كل ما يخالف ذلك، وأرى أنه ليس هناك علاقة بين عقيدة الزوجة ونفقتها فهي تستحق النفقة ما دامت زوجة وهو ما يراه الهلالي إذ يقول أن حرية الاعتقاد مكفولة في الدستور، لذا أرى أن يكون النص كالتالي (نفقة الزوجة تثبت لها بالعقد وتنتهي بانتهائه لاحتباس عصمتها به) ويُحذف كل ما يخالف ذلك.

ونأتي إلى مواد الاصطحاب وهي التي كان عمل لجنة الوفد منوطًا بها وقد أتت كالآتي (61- 62):

“يكون تنظيم حق الاصطحاب رضاءً فإذا تعذر ذلك فللقاضي الحكم به من عمر ثلاث سنوات للمحضون، لمدة لا تقل عن أربع وعشرين ساعة ولا تزيد على اثنين وسبعين ساعة أسبوعيا، وأسبوعا في إجازة منتصف العام الدراسي، وأربعة أسابيع في إجازة آخر العام الدراسي، وفي الأعياد والمناسبات الدينية والرسمية مناصفة ويجوز حكم الاصطحاب للأجداد والأعمام، ويقول الهلالي: “إن حكم الاصطحاب الإجباري هذا يُنقص من حق الحضانة، فالحضانة تكون كاملة للحاضن أو لا تكون، ولا معنى للحضانة المنقوصة التي لم يقل بها أحد من قبل، والعمل بها يستخدم الأطفال للتنكيل بالحاضن والادعاء بأن الاصطحاب يحقق صلة الرحم إنما يصح إذا كان طوعا لا كرها، وهو ما أتفق معه فيه. أما اقتراحه البديل والذي يقول فيه “اصطحاب الطفل أو استضافته يكون بالتراضي بالمعروف ولا إلزام به، ولكن يُلزم الطرف المصاحب أو المُضيف بإعادة الصغير لحاضنه في الزمان والمكان المتفق عليهما، وإلا كان خائنا للأمانة ويُعاقب بالحبس ثلاثة أشهر وغرامة عشرة آلاف جنيه مع إلزامه بإعادة الصغير للحاضن”. ولكنني أقترح ضرورة إلزام المصطحب للطفل بإعادته للحاضن وفق ترتيب يتم الاتفاق عليه عند إجراءات الطلاق (سواء باتفاق أسري) يشرف على تنفيذه طرف موثوق به من (عائلتي المُطلقين) وفي ذلك رعاية لحق الطفل لضمان عدم حدوث نزاعات بين أبويه، تؤثر على نفسه، وضمان عدم تعسف الحاضن سواء الأم أو الأب في حرمان الآخر تعسفا من رؤية ولده “لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده” (سورة البقرة- آية 233).

أما إذا فشل الطرف الموثوق به أو أطراف أخرى من عائلتي المُطلقين فيمكن اللجوء إلى اخصائي اجتماعي يكون منوطًا به إقناع الأبوين بضرورة الالتزام بحقوق الرؤية وإعادة الطفل للحاضن، وأن يكون هذا الاخصائي الاجتماعي أو الاخصائية الاجتماعية محددًا من ذي قبل أثناء إجراءات الطلاق من خلال محكمة الأسرة أو محاميي الزوجين إذا تعذر وجود أطراف موثوق بها من قبل المُطلقين (من عائلتيهما).

وإذا لم يستجب المُضيف بإعادة الطفل للحاضن، فإن على الحاضن اللجوء لمحكمة الأسرة بعد محاولات الأطراف العائلية الموثوق بها والاخصائي الاجتماعي- وإذا لم تتم الاستجابة، يُعاد الطفل إلى الحاضن بموجب حكم من محكمة الأسرة لا يتضمن حبس الطرف المُضيف وإنما إلزامه بضرورة إعادة الطفل وإلا حُرم حق استضافته.

لأن البند المقترح بسجن المخالف (ثلاثة أشهر وغرامة عشرة آلاف جنيه) يُحِّول القضية من قضية نفسية واجتماعية بالدرجة الأولى إلى قضية (خيانة أمانة) بما يدخل في إطار الجرائم.. وهو الأمر الذي يجب تجنبه إذا كنا نريد الحفاظ على ما بقي من علاقات اجتماعية بين والدي الطفل الذي لا ذنب له من طلاق والديه.

وأقترح تطبيق العقوبة المقترحة إذا سافر المُضيف هاربا بالطفل إلى خارج البلاد دون علم الحاضن ومن دون تقديم إذن بذلك لمحكمة الأسرة.

أما عن فكرة تسليم الطفل في قسم الشرطة، التي قرأت عنها كاقتراح من البعض، فإن هذا يشوه نفسية الطفل تماما، وكذلك الأبوين، ويخلق معاناة نفسية جديدة للجميع، وإنما لا بد أن يتم ذلك بالتراضي في نوادٍ اجتماعية أو رياضية يشعر معها الطفل بأنه في نزهة مع أبوين يحرص كلاهما على سلامه النفسي والاجتماعي.

أما المادة (65) الخاصة بالولاية التعليمية التي تنص على أن تكون الولاية التعليمية للأب، وهو ما يوجد في مشروع القانون، فإنني أتفق مع الهلالي أن تكون الولاية التعليمية لصاحب الحضانة، والارتداد عن ذلك هو بالفعل تنكيل بالحاضن وغالبا ما يكون (المُطلقة)، وتهديد بضياع مستقبل الطفل الذي قد يتعرض لعناد الأبوين.

وأتفق معه أيضا أنه لا تسلب حضانة الطفل بسبب الحالة الصحية للحاضن، لأن مصلحة الصغير تتحقق بمعالجة الحاضن بنفسه أو بخادمه تحت إشرافه، وأتفق معه في حذف هذه الفقرة والإبقاء على نص الفقرة التالي: “لا تُسلب الحضانة إلا في حال صدور حكم جنائي على الحاضن في جريمة مُخلة بالشرف).

سن الحضانة:

وفي مشروع القانون الجديد مادة (انتهاء سن الحضانة بسن التاسعة) تنص عليها المادة (59) يقول الهلالي أن قانون سنة 2000 تجاوزها وجعلها لسن الخامسة عشرة، ويقول إذا أردنا الإنصاف الدستوري فبلوغ سن الثامنة عشرة هو الأنسب وهو سن إكمال الطفولة دستوريا وأتفق معه في ذلك.

وهو يستعرض آراء الفقهاء في هذا الموضوع ويتساءل من أين جاءوا بسن التاسعة حتى يكون سنًا لانتهاء الحضانة فيقول: [أما الفقهاء المسلمون فقد اختلفوا على عدة أقوال أشهرها (1) فقهاء مذهب الظاهرية يرون أن الحضانة تستمر مع الصغير أو الصغيرة حتى سن الاستقلال في الإقامة (الرشد) بما يتمكن من العيش وحده.

(2) فقهاء مذهبي الشافعية والحنابلة يرون أن الحضانة تنتهي بسن التمييز، ثم يخير بين والديه.

(3) فقهاء مذهبي الحنفية والمالكية يرون أن حضانة الصغيرة تستمر حتى سن الاستقلال أو الزفاف أما حضانة الصغير فتستمر إلى سن التمييز ثم يُخير بين والديه.]

ويقترح الهلالي أن ينتهي حق الحضانة ببلوغ الصغير أو الصغيرة سن الطفولة دستوريا (18 عاما).

ولكنني أرى ألا تنتهي الحضانة عند ذلك بل أرى أن يتم تخيير الطفل أو الطفلة عند بلوغ سن الطفولة (دستوريا) بمعنى أن يتم تخيير الطفل أو الطفلة بعد بلوغه 18 عامًا وتفويضه في اختيار حاضنه.

كما أتفق معه في ضرورة عدم دخول القضاء أو النيابة كأطراف في خصومة مع أحد طرفي نزاع الحضانة، حيث إن مشروع القانون الحالي يقول في المادة (59) الفقرة الأولى- الجملة الرابعة تنص على أنه “يعول القاضي أولًا على اتفاق الطرفين فإذا لم يتفقا فمصلحة الصغار الفضلى في الحضانة.

وبهذا أصبح القاضي طرفا في نزاع الحضانة وليس حكما فيه، حسب مشروع القانون.

المادة (59)- الفقرة الأخيرة تنص على أن للقاضي الحق في اختيار المصلحة الفضلى لحضانة الصغير من بين الأب وأم الأم وأم الأب ثم من يدلي من الأب.

ويرى الهلالي أن هذا يجعل القاضي طرفا في النزاع لأن الاختيار بعد الأم صار له. خلافا للقانون الحالي الذي أخذ بمذهب الحنفية وأكثر الشافعية بالنص على جعل الحضانة بعد الأم لأمها ثم أم الأب، ثم الأخت الشقيقة، ثم الأخت لأم، ثم الأخت لأب ثم بنات الأخوات ثم الخالة، ثم بنات الأخ، ثم عمة الأم، ثم عمة الأب ثم الأب وعصبته وبذلك لا يكون القاضي طرفا في نزاع الحضانة.

والنص الذي يقترحه الهلالي هو العودة إلى نص القانون الحالي المبين للمستحقين للحضانة صونا للقضاء من الدخول في النزاع، وهذا ما أتفق معه فيه.

وتأتي المادة (88) في المشروع المقترح: “أن يجوز للنيابة العامة أن تصدر بعد إجراء التحقيق المناسب قرارا مسببا بتسليم الصغير إلى من تتحقق مصلحته معها”،

ويقول الهلالي: وبهذا صارت النيابة طرفا في نزاع الحضانة وليست حكما فيه ويقترح حذف هذه المادة صونًا للنيابة أن تكون طرفا في النزاع، وأتفق معه في ذلك.

توثيق الطلاق:

المادة (49) في مشروع القانون تلزم المطلق شفاهيا بتوثيق طلاقه وتنص على أن على المطلق أن يوثق إشهار طلاقه لدى الموثق المختص خلال ثلاثين يوما من إيقاع الطلاق وتترتب أثار الطلاق من تاريخ إيقاعه (يعني شفاهة).

ويرى الهلالي أن هذا إجبار للزوج على فك عصمة زواجه وتفكيك أسرته بغير إرادته، هو يعلم أن لفظ الطلاق للزوجة الرسمية لا أثر له في فك العصمة، وإذا كان قد استخدمه للتهديد أو في حال الغضب فكيف بالقانون أن يلزمه به وينهي حياته الزوجية قسرًا؟

وفي رأيي أن إلزام المطلق شفاهيا بتوثيق طلاقه ضرورة، لأنه من غير المعقول أن يطلق الرجل امرأته شفاهة ثم يمارس زوجيته ويحصل على حقوقه وكأنه لم يُطلق! وأن تظل المرأة تحت رحمة التهديد بالطلاق في حال الغضب، ثم تضطر للعيش تحت سقف واحد مع رجل يُطلقها ولا يثبت طلاقه فلا تعرف أهي زوجة مصونة أم مطلقة؟ وهي في نفس الوقت زوجة تجرى عليها أمور وتنفذ فيها حقوق الزوج. وفي ذلك عدم احترام لإنسانية المرأة ووضعها في حيرة، ويجعلها تلجأ إلى الفتاوى، وأصحاب الفتاوى الذين يحللون ويحرمون، ويجيزون الطلاق أو يبيحون استمراره، بغض النظر عما يقع بين الزوجين من حُرمة إيقاع الطلاق شفاهة ثم الاستمرار في الزواج، وكأن شيئًا لم يحدث، والاعتماد على نية الزوج وحدها لا تكفي لما قد يقع من فساد في الذمم والأخلاق، ومكر على الزوجة.

أما المادة (50) في مشروع القانون وتنص على “أنه يُعتد في إثبات الطلاق عند الإنكار بكل طرق الإثبات).

ويرى الهلالي أن في ذلك تربصا للقانون بالأسرة على أساس أن الزوج الذي يرغب في الطلاق الحقيقي فإنه يعلم طريق المأذون الذي وثق زواجه، فهو نفسه الذي يوثق طلاقه ويفك رباط الزوجية، فإذا لم يحل إليه فإنه قد يكون قد اختار بقاء الزوجية وعدم إيقاع الطلاق الحقيقي وإن تلفظ به، لأنه يعتقد أن التلفظ بالطلاق دون توثيق مشروع طلاق وليس طلاقا معقودا، وينطبق على هذا الرأي قولي السابق إن في ذلك زلزلة لنفسية الزوجة التي تهدد بالطلاق لفظا وشفاهة، وتشويها لنفسيتها لأنها لا تدري حينذاك هل هي زوجة أم مطلقة؟ كما أن التلفظ بالطلاق يودي بأسباب المودة وحسن المعاشرة التي أمر بها الدين والتي يقوم عليها الأساس في الزواج (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) (سورة الروم، آية 21).

أما النص المقترح البديل الذي يقول به الهلالي: “يُحتسب الزواج أو الطلاق وتترب آثارهما من تاريخ توثيقه بالإشهاد” ويُحذف كل ما يخالف ذلك. وأرى احتساب أي تلفظ بالطلاق من قبل الزوج فإذا أخطأ مرة وتلفظ بلفظ الطلاق فلا بد من اللجوء إلى محكمة الأسرة لمناقشة الزوج، فيما تلفظ به وإشهاد (أطراف موثوق بها من عائلتي الزوجين) على سبيل التذكير بقدسية الزواج وخطورة التلفظ بالطلاق والتنبيه على الأضرار التي تصيب الزوجة ومؤسسة الزواج وتحتسب إنذارًا بوقوع الطلاق الفعلي بين الزوجين حال التكرار، فإن تكرر تلفظ الزوج بالطلاق فإنه يقع ولا بد في هذه المرة الثانية من توثيقه (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) (سورة البقرة، آية 229).

أما عن المادة (54) عن الخلع، وهي في مشروع القانون تنص في آخر جملة فيها على أنه (يقع الخلع في جميع الأحوال طلاقا بائنا).

ويقترح الهلالي أن يحتسب من عدد الثلاث طلقات للزوج وهذا مذهب الجمهور، لكنه يخالف مذهب الإمام أحمد بن حنبل والقديم عند الشافعية (إن الخلع فسخ وليس طلاقا) ما يفتح الطريق للطرفين للعودة مجددًا- إن أرادا- دون قيد الثلاث طلقات، وهذا من مصلحة الأسرة. وأتفق معه في هذا وقد استند إلى الآية الكريمة (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) (سورة الطلاق، آية 1).

أما المواد (44) من المشروع والتي تقول إنه لا يقع طلاق السكران والمُكره.

والمادة (45) من المشروع التي تنص على أنه لا يقع الطلاق غير المنجز.

والمادة (46) من المشروع التي تنص على “أن الطلاق المقترن بعدد لفظا أو إشارة لا يقع إلا واحدة”.

والمادة (47) من المشروع التي تنص على “أن كنايات الطلاق يقع بها الطلاق بالنية”.

يرى الهلالي أنها مواد تقر بوقوع الطلاق الشفهي للمتزوجين رسميًا، وتفتح باب الفتاوى بالسلطة التقديرية للمتطوعين بالفتوى باحتساب لفظ الطلاق أو عدم احتسابه ما يجعل آثار الطلاق غير منضبطة ويعيد المجتمع إلى عصر ما قبل حضارة التوثيق.

وهو ما سبق أن أشرت إليه من ضرورة إيلاء هذا الطلاق الشفهي أهميته حتى لا تعيش الزوجة مهددة حائرة مهانة. لذا فتوثيق الطلاق ضرورة.

كما أن مواد مشروع القانون التي أغفلت طلاق الغضبان والطلاق البدعي “أي أن يطلقها في حال الحيض أو في طهر جامعها فيه”.

والطلاق بغير إشهاد أو نية لما يجعله معدومًا فتزداد نسبة الطلاق وتتفكك الأسر بالفتاوى المحصنة بمشروع القانون كما يقول الهلالي.

ولذا أرى ألا نضع مصير الزوجة تحت رحمة طلاق الغضبان، وصاحب المزاج المعتكر، فليس بهذا نحترم المرأة، فلا بد أن نعطي للزواج قدسيته، ولان نضع الأسرة المصرية تحت رحمة لسان الزوج ومزاجه وتجاهل ما يقول لأنه غاضب أو سكران أو غيره، ويعد هذا نوعًا من التدليل لا يستقيم به كيان الأسرة وفيه تهديد لها وعدم احترام الزوجية كرابطة لها قدسيتها بل عودة بالمرأة المصرية إلى نقطة الصفر.

وأؤيد النص المقترح من الهلالي بخصوص الخلع إذ يقول “يقع الخلع في جميع الأحوال فسخًا لعقد الزواج وليس طلاقا” فقد تُغيِّر المرأة موقفها وترغب في استئناف حياتها الزوجية، كذلك يقترح تعديلا للمادة (57) في المشروع المقترح وتنص على أن التطليق للعيب يقع به طلاق بائن، ويقول في التعديل المقترح: “التفريق للعيب يكون فسخا لعقد الزواج وليس طلاقا، “لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا” وأتفق معه في هذا فقد يتم علاج هذا العيب، وهو يستند في ذلك لرأي فقهاء الشافعية والحنابلة أن التفريق للعيب فسخا وليس طلاقًا، خلافا للحنفية والمالكية فلماذا لا نأخذ بالفتوى الأصلح للأسرة والأنفع لها.

توثيق الزواج

وتجاهل المشروع المادة (17) من المرسوم بقانون 78 لسنة 1931 بشأن لائحة ترتيب المحاكم الشرعية التي تنص على أنه “لا تُقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج في الوقائع اللاحقة على أول أغسطس 1931 ما لم يكن الزواج ثابتا بوثيقة رسمية.

ويقول الهلالي: وهذا يعني اعتراف مشروع القانون بالزواج الشفهي غير الموثق ما يفتح باب فتنة لا تنتهي فضلا على عدم العمل بحضارة التوثيق التي تضبط الحقوق. واتفق معه في ذلك فالتوثيق يحمي حقوق الزوجين كليهما.

وبقيت قضايا مهمة لم يتعرض لها د. سعد الدين الهلالي في مقالته، ولم يوضح هل تناولها مشروع القانون أم لا؟ وذلك بخصوص حضانة الأطفال حال زواج الحاضن، فكثير من السيدات المطلقات يلجأن إلى الزواج العرفي- رغم ما فيه من مثالب وضياع حقوق وإهدار اجتماعي لوضعيتها كزوجة بل وظلم لما قد يكون لها من أبناء من الزوج العرفي- وكل ذلك يحدث لأنها تخشى أن تفقد حضانة أولادها.

وقد يلجأ المطلق لتهديد مطلقته بأخذ الحضانة منها إذا تزوجت فتلجأ إلى الزواج العرفي، وغالبا ما يكون مطلقها نفسه قد تزوج، ويؤدي هذا إلى كثير من المعاناة والمفاسد التي يمكن درؤها لو نص القانون على ألا تضار المرأة بزواجها لأنه حق شرعي لها طالما خلت من الموانع الشرعية، وأنه من غير المعقول أن يُربى الأبناء عند أقاربهم بعيدا عن أحد الأبوين أو كليهما (لزواج الأم) أو تعسف الأب مع مطلقته ليحرمها أطفالها، ودرء المفاسد مقدم على جلب المنافع كما هو معلوم بالضرورة.

ويجب أن ينص على أن يُعاد النظر في الحضانة- حال تضرر الأبناء- أثناء الحضانة مع الأم المتزوجة، أو الأب المتزوج ويمكن اللجوء في ذلك إلى أطراف موثوق بها من عائلتي الزوجين يتم ذكرهما عند إجراء مراسم الطلاق، أو الاخصائي الاجتماعي المُعين لمتابعة الأسرة (حال الطلاق)، أو اللجوء إلى محكمة الأسرة.

كما أن مشروع القانون لم يتناول ما تتعرض له المرأة بعد الطلاق من معاناة قاسية فهي تجد نفسها بلا مأوى في كثير من الأحيان إذا طلقها الزوج في سن متقدمة وحسب ما هو معلوم أن ليس لها حال الطلاق منه نفقة إلا نفقة المتعة ولا يكون لها سُكنى وتكون المرأة قد أنفقت زهرة شبابها ومالها مع هذا الزوج وتجد نفسها في نهاية العمر وحيدة بلا مأوى عرضه لجحود الأبناء أحيانًا؟ أو قصور إمكانات ذويها المادية في أحيان أخرى، وأرى أن هذا يزيد من حالات الطلاق أيضا، فالزوج يملك المسكن وباستطاعته أن يطلق ويخرج مطلقته بلا مأوى ويتزوج ثانية دون اعتبار لسنوات عشرته ومصيرها بعد الطلاق.. وأقترح أن يوجد نص في مشروع القانون يكفل للمطلقة حلًا لإقامتها، ويتم ذلك بأن يحصل الطرفان مناصفة على حصيلة بيع مسكن الزوجية (إذا كان تمليكًا) إذا كانت عشرتهما عشرة سنوات فأكثر، أما إذا كانا قد استأجرا مسكنا فلا بد أن تقدر قيمة ما تحصل عليه المطلقة من مال بما يمكنها من الحصول على مسكن حتى لا تجد النساء أنفسهن بلا مأوى بعد الطلاق، وربما لا تسمح أعمارهن وحالاتهن بالزواج مرة أخرى، أما اللاتي يمكنهن الزواج فقد يخضعن تحت ضغوط وصعوبات الحياة إلى الزواج العرفي أو غيره من استغلال حال عدم وجود المأوى، وفي رأيي أن ذلك سوف يقلل من زيادة حالات الطلاق لأنه سيكون من مسؤولية المُطلق أن يُعِّوض مُطلقته، ومن مكارم الدين ألا يُلقي بالمرأة التي عاشرته سنينا إلى الشارع، أو يتركها فريسة للمعاناة والحاجة والعوز. استلهامًا للآية الكريمة (ولا تنسوا الفضل بينكم) “سورة البقرة آية 237”.

ونرى ضرورة طرح مشروع هذا القانون للمناقشة والحوار المجتمعي من خلال المؤسسات والمنظمات والجمعيات والكيانات المهتمة بشؤون المرأة، وإرسال كل الآراء والمقترحات إلى مجلس الشعب قبل إقرار مشروع القانون إذا كان لن يقتصر فقط على مواد الاستضافة في مشروع القانون.

إن الحوار المجتمعي ضرورة قبل إقرار أي مشروع خاص بالأحوال الشخصية، لأنه سيؤثر على المجتمع ككل، وعلى الأسرة المصرية نواة هذا المجتمع، وعلى المرأة المصرية التي كادت أن تعود بحقوقها ومكتسباتها إلى نقطة الصفر! نقلا عن روزاليوسف