عندما تخلص النيات!

عندما تخلص النيات!

بقلم : محمد نجم

وكما قال شاعرنا العربي (أبو الطيب المتنبي):

 

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

 

وتأتي على قدر أهل الكرم المكارم

 

تعظم في عين الصغير صغارها

 

وتصغر في عين العظيم العظائم

 

نعم.. «على قدر أهل العزم تأتي العزائم».. خاصة عندما يمتلك «المسؤول» الشجاعة في اتخاذ القرار السليم في الوقت المناسب، فضلًا على المبادرة باقتحام المشاكل المعلقة والمزمنة، والعمل على إنهائها وبما يحقق مصلحة جميع الأطراف في أسرع وقت ممكن وبأبسط الإجراءات القانونية المتاحة.

 

هذا بالضبط.. ما فعله قيادات البنك المصري العريق «بنك مصر».. الذي أسسه طلعت حرب رائد النهضة الاقتصادية المصرية في مطلع القرن الماضي.

 

وهذا أيضا هو «الفارق» بين قيادات مسؤولة، وأخرى غير ذلك، فالأولى تحاول الإنجاز بعزيمة صادقة وجهد متواصل، تُراعي مصلحة الوطن ككل وبما لا يضر بمصلحة المؤسسة التي تقودها.

 

أما الذين غير ذلك.. فإنهم يقضون مدة تولي المنصب كيفما انقضى، يستمتعون بمباهج المنصب وبما يوفره من أموال وجاه وسلطان.. وحتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا.

 

والمصرفي الكبير الخلوق محمد الأتربي رئيس بنك مصر، من الفئة الأولى الذين يراعون الله، ثم ضميرهم ومصلحة الوطن في كل ما يفعلونه، وقد قيد الله له مجموعة من مساعديه على شاكلته من الجدية والنزاهة والاحترام، يتقدمهم نائبه الهادئ الرصين عاكف المغربي، وكذلك الصديق المحترم أحمد إبراهيم رئيس قطاع الديون المتعثرة، ونجمة الإعلام والعلاقات العامة بالجهاز المصرفي د. فاطمة الجولي رئيس قطاع الاتصالات بالبنك، وأيضا الخبراء الأفاضل بإدارة الشؤون القانونية.

 

تلك المجموعة المحترمة بقيادة محمد الأتربي قررت التصدي للمشاكل المعلقة بين البنك وعملائه، وعملت على حلها بما يحقق مصلحة جميع الأطراف.. وعلى رأس تلك المشاكل.. كانت مشكلة الديون المتراكمة على المؤسسات الصحفية القومية لبنك مصر والتي امتدت لأكثر من خمسين عامًا، وقد تجاوزت المليارين ونصف المليار جنيه بسبب عدم السداد وتراكم الفوائد المركبة!

 

ومن حسن الحظ.. أن تواكب مع ذلك قيادات جادة لبعض المؤسسات الصحفية القومية قدمت مبادراتها إلى قيادات بنك مصر.. وأعلنت استعداداتها لإنهاء مشكلة هذه الديون التي تعيق مؤسساتهم من العمل بحرية في الأسواق، فضلًا على إدراجهم في «القائمة السوداء» وهي منارات ثقافية شكلت العمود الفقري لقوى مصر الناعمة على مدى مئات السنين الماضية.

 

وسرعان ما التقت رغبة الطرفين، خاصة عندما توفر حسن النية.. وقوة العزيمة، وبدأت المفاوضات التي لم تستغرق سوى عدة شهور قليلة انتهت بتوقيع «اتفاقيات» التسوية، وكانت البداية مع مؤسسة «روزاليوسف»، ثم تلتها «دار المعارف»، وبعدهما كانت «دار الهلال».. وبعد أيام قليلة ستتم التسوية مع «دار التحرير» للطبع والنشر.

 

ولست أرغب في «إرباك» القراء بمبالغ الديون على كل مؤسسة، وكذلك طرق السداد ومدته.. إلخ، ولكن ما أرغب التأكيد عليه أن التنفيذ يتم بكل جدية بعد مضي أكثر من عام على تسويات روزاليوسف ودار المعارف، وأن السداد كان «عينيا» أي من خلال إيجار ممتد لعدة سنوات لمبانٍ ومخازن أو خدمات طباعية وإعلانية، والمعنى أنه لا يوجد بيع ولا تنازلات.. حيث احتفظت المؤسسات بأصولها، وحصل البنك على مستحقاته في إطار من التعاون المثمر لكلا الطرفين.

 

وما يهمني التركيز عليه هنا.. أن بنك مصر قام بدوره المنوط به.. باعتباره هو وغيره من البنوك المصرية يمثلون الشرايين التي تنقل الدماء لجميع أجزاء الجسد، الذي هو «المجتمع» في تلك الحالة.

 

فالبنوك تجمع الأموال من أفراد المجتمع، وعليها أن تحافظ عليها وتحسن توظيفها وبما يحقق مصلحتهم، ونظرًا لأن المؤسسات الصحفية القومية مملوكة للشعب «المجتمع» فكان لا بد من إقالتها من عثرتها ومساندتها حتى تعود إلى «تراك» السباق مرة أخرى.

 

وهذا تمامًا ما فعله بنك مصر.. وقياداته المحترمة، حيث حافظوا على ممتلكات المجتمع من الإفلاس والخسارة، بل إنهم ساندوها ودعموها لتعود إلى سابق عهدها كمنارات ثقافية وصحفية في مصر والعالم العربي.

 

وبالطبع كل ذلك تم ويجرى تنفيذه بعلم وموافقة كافة الجهات والمؤسسات المعنية وعلى رأسها البنك المركزي والهيئة الوطنية للصحافة.

 

وليس جديدًا عندما نقول إن المؤسسات كالأفراد في هذا المجال «الديون» التي هي همّ بالليل.. ومذلة بالنهار.. فهي عبء على الكاهل.. وقيد على الحركة، بل إنها لا تشجع الآخرين على التعامل معك.. حيث تصبح الديون كالصفة «عدم سداد الالتزامات».. وهو مالا يشجع على الدخول في التزامات جديدة!

 

من هنا تأتى أهمية ما جرى.. حيث «فكت» بعض المؤسسات الصحفية قيودها.. وتحررت من أغلالها، ونتمنى أن يمتد هذا التحرر للمؤسستين الشقيقتين (الأهرام والأخبار).

 

وقد تكون هذه التسويات التي تمت بين بنك مصر وبعض المؤسسات الصحفية.. لم تأخذ حقها من الإعلام والنشر بكثافة.. لأننا كنا- كصحفيين- طرف أساسي فيها.. ولم نشأ أن نهلل لأنفسنا كما يفعل غيرنا من الفنانين أو الرياضيين!

 

وها أنا أفعل.. ما كان يجب أن يقوم به زملائي من الصحفيين.. خاصة الاقتصاديين منهم والمتخصصين في تغطية أنشطة الجهاز المصرفي.. ويبدو أن زمار الحي لا يطرب!

 

يبقى الشكر الواجب للأصدقاء قيادات بنك مصر وعلى رأسهم المصرفي محمد الأتربي، كما يجب الإشادة بمبادرات الزملاء رؤساء مجالس الإدارات عبد الصادق الشوربجي بروزاليوسف، وسعيد عبده بدار المعارف، ومجدي سبلة بدار الهلال، وسعد سليم بدار التحرير.

 

مع الشكر الواجب أيضا للزملاء في الهيئة الوطنية للصحافة بقيادة الزميل الفاضل كرم جبر لموافقتهم على تلك التسويات ورعايتهم لها. نقلا عن روزاليوسف