جناية محمد صلاح على العلم والعلماء

جناية محمد صلاح على العلم والعلماء

بقلم : د. سعيد اللاوندىد.

كان الكاتب الكبير توفيق الحكيم على حق عندما قال يوماً: «إننا نعيش عصر القدم لا عصر القلم»، لأنه لاحظ أن ما يكتبه رغم أهميته لا يساوى شيئاً بجوار ما يجنيه صاحب القدم من آلاف الجنيهات فى ذلك الوقت، ولا شك أنه كان حتماً سيُصدم إذا علم أن أجر القدم سيصل إلى الملايين على نحو ما نسمع فى الدوريات العالمية ناهيك عن بيع اللاعبين هنا وهناك.

 

وللإنصاف يجب أن نذكر أن لاعب الكرة المصرى محمد صلاح يكاد يكون نسيجاً وحده، لأن أعماله الخيرية التى نسمع عنها والزواج الجماعى الذى قام بتنظيمه فى قريته، وأعمال البر التى قام بها وأنفقت الملايين فى القرى المجاورة تجعله إنساناً فوق مستوى الشبهات، ثم وطنيته الخالصة وحبه لمصر وتمثيله لها فى المحافل الكروية الدولية تجعلنا جميعاً نفخر به ونعتز بمكانته العالمية التى حققها كأشهر لاعب كرة فى العالم.

 

لكن هذه الشهرة التى حققها لاعب الكرة المصرى ومشاريعه الخيرية لا تنسينا حالة البؤس التى يعيشها علماء الأمة، فأحد أساتذة الجامعة شارك فى مناقشة رسالة علمية وظل لعدة أيام يقرأ الرسالة ويسجل ملاحظاته العلمية وفى النهاية يحصل على أجر أو مكافأة مالية مقدارها 79 جنيهاً مصرياً فقط لا غير، وآخر كان مشرفاً على رسالة جامعية ظل لسنوات طويلة يوجه تلميذه ويقترح ما يراه ضرورياً حتى تكون الرسالة لائقة علمياً، ثم يحصل على أجر 199 جنيهاً مصرياً، وإذا قمنا بمقارنة بسيطة بين لاعبى كرة القدم وبين هذا الأستاذ أو ذاك لاكتشفنا أننا نعيش عصراً لا قيمة فيه للعلم أو للعلماء.

 

وكان توفيق الحكيم عميد المسرح العربى كتب حزيناً عندما وجد أن الراقصة تحصل فى ساعة واحدة على آلاف الجنيهات، بينما الأديب أو الكاتب يحصل على قروش أو ربما ملاليم.

 

لا نطالب أن يتساوى صاحب القدم الذهبية بأساتذة الجامعة من البؤساء بعلمهم وإنما نطالب بأن تلتفت الدولة لهؤلاء العلماء حتى لا تتحقق مقولة الممثل الشهير عادل إمام: «إن العلم لا يُكيل بالبدنجان فى زماننا»!

 

هنيئاً لمحمد صلاح ما حققه من شهرة، وهنيئاً لنا أعماله الخيرية التى لا تزال تتواصل وكذلك شعوره الإنسانى العظيم بغيره من فقراء الأمة.

 

أما أن يظل حال العلماء على نحو ما نراه ونعيشه فى هذه الأيام فهذا ما لا يطيقه أحد.

 

والحق إن هذه المعادلة الظالمة، هى عار على العلم والعلماء، فأستاذ الجامعة يجد نفسه فى حال مزرية وأنه أشبه بمجرم دون أى ذنب اقترفه، فلا يفصله عن الشحاذة إلا قطرات الخجل التى يتسربل بها ليعيش بين الناس مستوراً.

 

ليهنأ اللاعب العالمى محمد صلاح الذى رفع اسم مصر عالياً بما حققه من شهرة، لكن التفاتة لأستاذ الجامعة الجاد ورفع مستواه ومكافأته على جده واجتهاده لأنه بات غير قادر على توجيه أولاده وتلاميذه.