23 يوليو.. الإصلاح والسلطة

23 يوليو.. الإصلاح والسلطة

بقلم : د. محمود خليل

وجد الضباط الأحرار أنفسهم فى الحكم. قبل قيامهم بالثورة لم يكن ثمة اتفاق معلن فيما بينهم على إسقاط الملك، والتحول إلى النظام الجمهورى، والانتصار لطبقات اجتماعية معينة، ومعاداة طبقات اجتماعية أخرى. يؤكد ثروت عكاشة فى كتابه «مذكراتى فى السياسة والثقافة» أن غاية ما تم الاتفاق عليه بين الضباط قبل ساعة الصفر: «القيام بحركة إصلاحية لإنهاض الجيش من عثرته علماً وقيادة وتسليحاً وتدريباً». كثيرون يجمعون على أن الضباط لم يستهدفوا عند القيام بحركتهم المباركة التى أطلق عليها فيما بعد «ثورة» الاستيلاء على الحكم، بل كان الهدف هو «إصلاح الجيش» والوصول إلى ديمقراطية حقيقية تمنح الفرصة لمن يختاره الشعب لحكم البلاد.

 

أُصدّق «ثروت عكاشة» وغيره ممن أكدوا على مسألة أن الضباط لم يستهدفوا السلطة، قبل القيام بالثورة، لكن الأمور لم تظل كذلك، بل تغيرت كثيراً فى نفس اللحظة التى تحركت فيها قوات الجيش لمحاصرة القيادة العامة والقصور الملكية والأماكن الحيوية فى البلاد. بيان الثورة الذى تلاه أنور السادات عبر أثير الإذاعة واضح ولا يحتمل التأويل: «وأنتهز هذه الفرصة وأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف، لأن هذا ليس فى صالح مصر، وإن أى عمل من هذا القبيل سوف يقابل بشدة لم يسبق لها مثيل وسيلقى فاعله جزاء الخائن فى الحال». هذه عبارات لا تحتمل التأويل على أن الضباط استهدفوا السلطة من أول لحظة، فكل من يعادى الثائرين خائن. هل يمكن لثوار أن يسلموا السلطة لخونة؟. ومن يلجأ إلى الاعتراض سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل، لأن الثوار يمتلكون أدوات القوة.. وهل السلطة شىء غير القوة؟

 

كان من الطبيعى أن يلجأ الضباط الأحرار إلى الحديث عن مسألة إصلاح الجيش قبل القيام بحركتهم، بعد أن اكتشفوا حجم الانهيار فى أدائه خلال حرب فلسطين 1948. هذا الحدث التاريخى سيظل نقطة الابتداء فى التفكير فى ثورة 23 يوليو، حين اختمرت فكرة الثورة على الملك فى حصار الفالوجا الشهير. ومن الطبيعى أيضاً أن تكون السلطة هى الموضوع الأهم بالنسبة للضباط بعد نجاحهم فى الإطاحة بالملك. وحقيقة الأمر فقد كانت كل الظروف مهيأة لحدوث التحول. بل قل إن كل أطراف السياسة والاقتصاد والاجتماع والفن والفكر قرّبت الأمر وسهلته على الضباط، حين خاطبتهم منذ الوهلة الأولى كسلطة.

 

يكفى فى هذا السياق أن نتذكر أدوار قامات قانونية بحجم عبدالرزاق السنهورى، وسليمان حافظ، وأدوارهما فى خدمة الضباط خلال الأيام الأولى للثورة، راجع ما كان يكتبه كبار الأدباء والمفكرين المصريين خلال هذه الفترة. لقد كان عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، وهو واحد من أهم المفكرين التنويريين فى تاريخنا الحديث والمعاصر، صاحب اقتراح إطلاق وصف «ثورة» على الحركة المباركة. ولا أجدنى بحاجة إلى الحديث عن ساسة ما قبل الثورة الذين هالهم ما وقع، فاجتمعوا معاً على نبذ خلافاتهم من أجل حماية «الديمقراطية»، وفى نهاية الاجتماع اشتبكوا بالأيدى مع بعضهم البعض، كما حكى توفيق الحكيم فى كتابه «عودة الوعى». ما يمكن أن نخلص إليه من هذا الحديث أن إرادة الوثوب على السلطة كانت موجودة لدى الضباط الأحرار، وأن الظرف كان مهيأ على كل المستويات لتسقط ثمرة الحكم فى حجرهم.نقلا عن الوطن