لواء دكتور/ سمير فرج: ماذا بعد نجاح السيد الرئيس 

رغم اليقين، منذ البداية، بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي سيفوز بكرسي الرئاسة، لحكم وإدارة الأمور، في مصر، للسنوات الأربع القادمة، إلا أنني أكاد أجزم، بأنه فور إعلان النتيجة الرسمية للانتخابات، أن الرئيس السيسي جلس مع نفسه قليلاً، لكي يراجع خطته التي أعدها سلفاً، لإدارة البلاد خلال الفترة الرئاسية الجديدة.

 

وأرجو أن يسمح لنا السيد الرئيس أن نفكر معه قليلاً، في بعض النقاط المطلوب تنفيذها خلال الفترة القادمة، والتي أنا متأكد أنها في ذهنه تماماً، وعلى جدول أعماله بالفعل، ولكن قد تختلف في ترتيبها في الأولويات. فمن الواضح أن التوجه، في الفترة القادمة، سيتركز على التنمية البشرية، ويُقصد بها التعليم والصحة، اللذان هما أساس التقدم لأية دولة، وذلك في إطار خطة تنمية شاملة للدولة 2030، تماماً مثلما فعل مهاتير محمد، أشهر رؤساء الوزراء في ماليزيا، وصانع نهضتها.

 

فالعملية التعليمية في مصر، شأنها شأن باقي دول العالم، عبارة عن مثلث، أضلاعه الثلاث هم، المدرسة، ثم الطالب، ثم المُدرس نفسه. وعندما نتكلم عن المدرسة، فنعني بذلك المبنى من ناحية، ثم العملية التعليمية من ناحية أخرى، بدءاً من المناهج إلى شكل الكتاب المدرسي، على أساس أن يكون المبدأ هو البعد عن التحفيظن يلي ذلك فقه الامتحانات التي تفرق بين الطالب المتميز وغير المتميز. أما فيما يخص بناء المدرسة، فلا يصح أن تخلو أية منشأة تعليمية من المعامل، والمكتبات، والأنشطة الثقافية، والرياضية، مع ضرورة أن تكون تلك المدارس “ذكية”، وذلك بتوفير الحاسبات الآلية، وخدمات الإنترنت، اللذان يمثلان اللغة الأولى في العصر الحديث.

 

أما فيما يخص المدرس، وجميع أعضاء هيئة التدريس، فلابد من تدريبهم بدورات متخصصة، وحديثة، على أن يكون إجادة استخدام الحاسبات الآلية، أولى شروط التعيين، والترقي داخل الكادر المدرسي. على أن يتم ذلك بالتوازي مع بناء شخصية المدرس، والحفاظ على مظهره اللائق؛ وأذكر أنني في محافظة الأقصر، طبقت نظاماً يقضي بتسليم المدرسين أجهزة لاب توب، وأطقم ملابس تليق بمكانتهم في مدارس الأقصر، وذلك عند اجتياز الدورات التدريبية المتخصصة لرفع المستوى للمدرسين.

 

وأخيراً وليس آخراً، يكون الاهتمام بالطالب، خاصة ذلك الذي لا تؤهله حالته، في معظم الأوقات، لتلقي العلم، نظراً لضيق الظروف المادية لأهله، أو لضعف حالته الصحية الناتجة عن سوء التغذية، فضلاً عن عدم قدرته على المنافسة في سوق العمل، بعد التخرج، نظراً لضعف المستوى الدراسي، أو نتيجة لعدم التخصص وفقاً لاحتياجات سوق العمل. وأتذكر وأنا محافظ للأقصر، أن سوق العمل هناك كان متعطشاً لميكانيكي محركات بحرية للفنادق العائمة، وكانت احتياجات المحافظة من ذلك التخصص، يتم تلبيتها جميعاً من أبناء الإسماعيلية، وبورسعيد، والإسكندرية، بالرغم من وجود مدرسة صناعية بالاقصر، وعندما تم استحداث قسم للصناعات البحرية في المدرسة الصناعية بالأقصر، تم تحقيق الاكتفاء الذاتي من أبناء المحافظة في هذه المهنة.

 

وعندما نتحدث عن الصحة، كطرف التنمية البشرية، فلها عدة جوانب يجب الاهتمام بها، لتكتمل المنظومة الصحية اللائقة، سواء من حيث الاهتمام بتوزيع المستشفيات المتخصصة، ورفع كفاءتها، مثل مستشفيات الحميات، والعيون، والأسنان، والأورام، وغيرها، من خلال خطة متكاملة في كل محافظة، يراعى فيها المحافظات النائية، بالتوازي مع تدريب كوادر الأطباء واستحداث أنظمة جديدة لهم مثل كوادر المعلمين، مع الاهتمام كذلك بأسلوب إدارة المستشفيات. كما يجب التركيز على الاهتمام بالتمريض الذي هو أساس نجاح أي مستشفى، وكذلك بتسلسل تقديم الخدمات الصحية، بدءاً من الوحدة الصحية، باعتبارها الأساس، والتي تمنع التكدس في المستشفيات المركزية، أو المستشفى العام، بما يقلل تكلفة سفر المواطن من قريته إلى المستشفى المركزي.

 

وبعد الصحة والتعليم، تأتي ملفات الشباب، والذي تتمثل أولى احتياجاته في توفير فرص عمل، وتوفير المسكن المناسب لراغبي الزواج، بما يحقق لهم الاستقرار، ويقلل الفجوة الحالية بينهم وبين الدولة، ويجعل منهم سواعد حقيقية تبني وتعمر وتحقق التنمية. وتوفير فرص العمل لن يكون إلا بزيادة الاستثمارات، وجذب المزيد منها، ورفع كفاءة منظومة الإجراءات والتشريعات اللازمة لذلك، بما يحد من البيروقراطية. مع ضرورة التنوع في المجالات الاستثمارية، سواء الصناعية أو الزراعية، وتوزيع الاستثمارات على جميع محافظات مصر، كل وفق إمكاناته واحتياجه، بهدف تحقيق تنمية شاملة في المحافظات المصرية، وخاصة الحدودية، والصحراوية، وصعيد مصر. مع استمرار الاستثمار في البنية التحتية للدولة، سواء في توفير المياه النقية لكل قراها، أو مد شبكات الصرف الصحي، أو إنشاء الطرق الجديدة التي تربط بين جميع محاورها.

 

وعلى مستوى سيناء، فسيتم مكافحة الإرهاب فيها، وسيتحقق تأمينها من تنميتها، من خلال استغلال البنية التحتية الضخمة التي تم إنشائها مؤخراً، سواء الأنفاق تحت قناة السويس، والطرق، والمدارس، والقرى البدوية في وسط سيناء، بهدف أهلها، وخلق مجتمعات عمرانية جديدة هناك تتيح للمجتمع السيناوي الاشتراك في حياة مدنية. وسيتواكب ذلك مع استمرار تركيز السيد الرئيس، على تطوير وتحديث القوات المسلحة المصرية، وتنويع مصادر السلاح، لتدعيم الأمن القومي المصري، وحماية الاستثمارات المصرية، سواء من ناحية باب المندب، أو في البحر المتوسط، أو من ناحية سيناء.

 

وعلى الصعيد الخارجي فإن السياسة الخارجية المصرية نجحت، في الفترة السابقة، في تحقيق توازن مقبول بين الدوائر الدولية، ويكفي رجوع العلاقات المصرية الأمريكية إلى ما كانت عليه من قبل، حيث تم إعادة المعونة الأمريكية لمصر، وتدريبات النجم الساطع، فضلاً عن العلاقات المتميزة التي تربط مصر بجميع القوى الكبرى سواء في الاتحاد الأوروبي، كفرنسا وألمانيا، وحتى إنجلترا، التي خرجت مؤخراً من الاتحاد الأوروبي، وكذلك مع روسيا والصين. وعلى المستوى العربي حققت مصر علاقات متميزة، خاصة مع دول الخليج وجاء التحالف المصري العربي ضد قطر مؤشراً قوياً على مكانة مصر لدى أشقائها العرب. وستظل القضية الفلسطينية على رأس أولويات القيادة المصرية، التي تمارس كل جهودها وضغوطها من أجل الوصول لحل يحقق للفلسطينيين استعادة حقوقهم المشروعة. أما على المستوى الأفريقي فإن مصر تتقدم بخطوات بناءة للعودة إلى سابق مكانتها بين الدول الأفريقية، وهو ما يجب أن يستمر خلال الفترة القادمة.

 

أتوقع أن الرئيس لم يخل ذهنه من ضرورة مشاركة الشعب المصري في كافة أوجه الحياة السياسية، من خلال دعم الدولة لقيام الأحزاب القادرة على التأثير في الحياة السياسية في مصر، سواء كانت داخل البرلمان المصري، أو في الشارع السياسي المصري، استعداداً للانتخابات الرئاسية القادمة في عام 2022.

 

تلك كانت بعض الأفكار التي رأيت عرضها على السيد الرئيس، والتي أعتقد أن المواطن المصري، وهو سعيد بنتائج الانتخابات الرئاسية، مازال يفكر فيها، لأنها الأمل في الأربع سنوات القادمة.