علاقة الحرمان… بالإبداع !!

بقلم : د. حماد عبدالله

علاقة متناقضة جداً بين إحساس الإنسان بحالة إبداعية ، وزهو ، ونشوة سواء كان الإبداع فى كلمة أو لحن أو حتى إختراع علمى أو أدبى أو إقتصادى أو إجتماعى وبين الإحساس بالظلم والحرمان، والجوع والعطش وفقد الحبيب أو القريب وهجر العاشق أو المعشوق !!

 

شعيرتين متناقضتين “الإبداع ، والحرمان” وكثير ما نرى الإرتباط اللصيق بينهما نجد فى مشاهد الحياة حولنا وأمامنا إبداع “مولود” من حرمان ولنا في شاعرنا العظيم المرحوم أحمد رامي وعشقه وحبه لسيدة الغناء العربي الموهوبة المرحومة أم كلثوم  قدوة في هذه المنظومة من الأمثلة على ما يربط بين الحرمان والإبداع ، فلو كان الحظ والقدر وذكاء أم كلثوم سمح لعلاقة أحمد رامى بها أن تتم بالزواج بعد الحب والإعجاب ما كان هذا الفيض من الشعر والغناء وهذه الأنات التي رسم كلماتها شاعرنا أحمد رامي وغنتها أم كلثوم (بأحساس عالي جداً) بالمعنى والمضمون وكان ثالثهم إما الموسيقار المحترم الكبير المرحوم السنباطى أو المرحوم الكبير الموسيقار زكريا أحمد أو المرحوم الكبير محمد القصبجي أو غيرهم من عمالقة المصيغين للكلمات ، لحناً وطرباً ، وبكاءاً وصريخاً وأوجاعاً لقلوب الناطقين باللغة العربية !!

 

لقد كان لذكاء أم كلثوم ووهبها لروحها وحياتها لفنها على حساب كل شيىء فى الحياة موقف رصدناه ، ورصدته كل البحوث الإجتماعية فهى قد أثارت فى أحمد رامى كل المشاعر لكى ينتج ويفرز كل هذه الأبيات وهذه النسائم من الكلمات من

 

“جددت حبك ليه” “وليلى ونهاري فكرى بك مشغول” “وأنا في انتظارك” “وسهران لوحدي” “وشمس الأصيل ذهبت”” وهجرتك يمكن أنسى هواك” … ألاف من الأبيات والقصائد كانت نتيجة قهر ، وحرمان ، وسعادة بلقاء حينما “رق الحبيب وواعدني” أو حينما أوجد لكل موقف سبب “الحب كده” وأنساك يا سلام ده كلام” ولعل من القهر الذى ولد الإختراع وولد الإبداع هو كل ما نمارسه في حياتنا اليومية من إبداعات إنسانية بدءاً من الراديو ، (النور) الإضائة والطاقة ، والسيارة والملبس ، والمأكل والمنزل والمنضدة والسرير وحتى إشارة المرور وحتى فى القوانين التى تسير حياتنا والتشريعات كلها كانت نابعة من إحتياج ومن قهر أحسه المجتمع فصاغه المشرع لكى يقنن العرف ويصبح قانون نمارس الحياة تحت سطوته وشرعيته.

 

وهكذا فكل قهر وكل ظلم ، له منفعة حيث منهما يأتى الإبداع ، وبدون ذلك يكون الإبداع (دون ملح أو سكر) أى بلا طعم ،وبلا معنى وبلا صياغة مقبولة من الناس !!

 

وما كثرة ما نعيشه الأن من “بدع” ليس لها طعم ولا لون ولا رائحة لأنها لم تأتى من إحتياج أو من رغبة للمجتمع !!

 

حالات كثيرة نعيشها ، وأشياء كثيرة نمارسها ، لكن دون مرجعية من الإحتياج ودون إحساس بأنها نابعة من إحتياجاتنا ولكنها إما مفروضة علينا أو توارثناها عن أجيال سابقة لا معنى لها ، ولكن هكذا “البدع” التى نعيشها أغلبها ليس لها أصل فى الأدب الشعبى المصرى !!