نظرية أخت العروسة!

نظرية أخت العروسة!

بقلم : محمد نجم

كنت أتمنى ألا يقبل رئيس الوزراء الاستقالة المفاجئة التي تقدم بها نائب وزير المالية للسياسات الضريبية عمرو المنير.

 

وقد تكون «الاستقالة» أحد حقوق الموظف العام، لكن «توقيت» تقديمها أو قبولها والظروف المحيطة بذلك قد تتعارض مع المصلحة العامة.. التي هي أولى بالرعاية.

 

فنحن في وسط حدث سياسي مهم، وهو الانتخابات الرئاسية التي يجب أن تكون محل التركيز حتى تخرج بالصورة والنتائج التي نرجوها جميعا.

 

كما أن العام المالي الحالي على وشك الانتهاء- بنهاية يونيو المقبل- والمطلوب من وزارة المالية أن تتقدم بمشروع الموازنة العامة للعام المالي الجديد إلى البرلمان في نهاية الشهر الحالي.

 

وبالإضافة إلى ما تقدم.. لدينا اتفاق مع صندوق النقد الدولي يتضمن تحقيق نتائج محددة للإصلاحات الاقتصادية التي تم التوافق حولها، وعلى رأسها إصلاح السياسات الضريبية في مصر، وخفض عجز الموازنة إلى أقل من 9%، ثم البدء في معالجة الدين العام والذي تضخم في السنوات الأخيرة بسبب الظروف الاقتصادية التي مرت بها البلاد في السنوات القليلة الماضية.

 

كنت أظن- وبعض الظن ليس إثما- أن تقديم استقالة نائب وزير المالية أو قبولها سيراعي ما أشرت إليه سابقا، ولكن.. يبدو أن ليس كل ما يتمناه المرء.. يدركه!

 

فكواليس الاستقالة يعلمها كل من له علاقة بالشأن الاقتصادي بداية من «توتر» العلاقة المهنية بين الوزير ونائبه، وانتهاء بالمشروع الذي تقدم به النائب المستقيل إلى مجلس الوزراء لتحديد اختصاصات نواب الوزراء ومساعديهم حتى يتمكن الجميع من العمل في مناخ ملائم وأن يكون «التقييم» على أساس الإنجاز للمهمة المكلف بها النائب أو المساعد.

 

أي أن تكون هناك حدود فاصلة للاختصاصات ومعايير واضحة ومعلنة للمحاسبة على الأداء.

 

لكن عندما التقى نائب الوزير برئيس الوزراء فوجئ بالأخير يرجئ النظر في الاقتراحات المقدمة ويطلب منه الاستمرار في العمل طبقا لما هو جار، فكانت الاستقالة السريعة والمفاجئة والتي قبلت على الفور.. وكأن الجميع كان في انتظارها!

 

وقد لا يعلم البعض أن النائب المستقيل كان وراء الإنجاز الذي تحقق مؤخرًا في مجال الإيرادات السيادية.. من الجمارك والضرائب بأنواعها المختلفة.

 

وأعلم أن النائب المستقيل كان يعمل في إطار مؤسسي.. وهي وزارة المالية.. ولكن كلنا نعلم أيضا أن بعض الإنجازات تتحقق على أيدى أفراد محددين، فالأخ المنير عمل من قبل مساعدًا لوزير المالية في الفترة من 2006 إلى 2011 أسهم فيها في وضع السياسات الضريبية لمصر، والتعامل مع المؤسسات الدولية، وشارك في إعداد القوانين واللوائح المنظمة للعمل الضريبي في مصر، خاصة أنه عمل لفترة في اللجنة الرئيسية لخبراء الأمم المتحدة لشؤون الضرائب، كما كان الرئيس المشارك للجنة السياسات الضريبية المختصة بشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.. خلاف المناصب الأخرى على المستوى المحلي.

 

كل تلك الخبرات مكّنته- خلال توليه منصبه الأخير- من تطبيق سياسة ضريبية حديثة ساعدت على تحقيق معدلات نمو ملحوظة في الحصيلة الضريبية، إلى جانب وضع رؤية واضحة لفلسفة الضرائب وقدرتها على دعم مجتمع الأعمال العام والخاص، وأيضا تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة.

 

والأرقام المتاحة حتى الآن تكشف أن حصيلة النصف الأول من العام المالي الحالي بلغت حوالي 250 مليار جنيه من ضريبة الدخل، والقيمة المضافة، والجمارك بنسب زيادة تصل إلى 140% في بعضها!

 

ولهذا فإنني عاتب على النائب المستقيل لتسرعه في تقديم استقالته وأعتبره هروبا من الخدمة في الوقت غير المناسب، ومن جهة أخرى كنت أتمنى من رئيس الوزراء ألا يقبل الاستقالة مع وعد بالنظر فيما قدمه النائب من مقترحات.

 

على أي حال.. لقد أعادت الاستقالة طرح السؤال المزمن حول طبيعية عمل الموظف العام الذي يعين بقرار سيادي، فهل نحن- كموظفين عموميين- نعمل لدى رؤسائنا أم لدى الدولة المصرية؟ ولماذا تقوم العلاقات بين الرؤساء والمرؤوسين في دولاب العمل الحكومي.. في أغلبها على الرضا من الطرف الأول، والولاء والطاعة من الطرف الثاني؟

 

نعم.. أعلم أن الوزير هو المسؤول دستوريًا وسياسيًا عن أعمال وزارته، ولكن ليس معنى ذلك أن يكون «الرضا» وحده على المرؤوس هو السبب الرئيسي للاستمرار في العمل! فلسنا في رحلة «ويك إند»! وإنما بصدد عمل عام جماعي يشارك فيه كل مقتدر بفكره وجهده وحُسن أدائه.

 

لقد ذكّرتني استقالة نائب الوزير بما قرأته للمرحوم البابا شنودة في أحد الحوارات الصحفية التي أجريت معه، حيث قال: نحن شعب يفضل العيش على بسطة السلم! لأن من يحاول الصعود إلى الدرجات الأعلى سوف يفاجأ بهؤلاء الجالسين على البسطة يكبشونه من «….» ليظل بجوارهم!

 

وأعتقد أن ما قاله البابا الحكيم لا يختلف كثيرًا مع ما كان معروفًا من قبل في الريف المصري بنظرية «أخت العروسة» حيث كانت بعض الأسر تطلب من أخت العروسة أن ترتدى ثيابًا عادية.. وألا تبالغ في زينتها حتى لا تخطف الأضواء من العروسة في ليلة فرحها!

 

وأعتقد أن البلد محتاجة لكل جهد من أبنائها المخلصين والقادرين على تحقيق إنجازات معينة في مجال عملهم، ومن ثم لا مجال للاستمرار في تطبيق نظرية «أخت العروسة» حتى لا يتردد الأكفأ من أبناء مصر في قبول ما يعرض عليهم من وظائف عامة سواء كانت وزارة أو محافظة أو أي مناصب أخرى يتمكن القائمون عليها من تحقيق المصلحة العامة وقيمة مضافة للاقتصاد المصري.