معارك الوطن ليست وجهات نظر!

معارك الوطن ليست وجهات نظر!

بقلم : محمد يوسف العزيزى

ليس هناك وطن في العالم يخوض معارك متعددة كتلك التي تخوضها مصر في آن واحد، وليس هناك شعب في العالم لديه من الصبر والقدرة على المرور في كل هذه المعارك وهو واثق في الله وفي نفسه من النصر في النهاية، رغم كل ما يتعرض له من مؤامرات ومحاولات تشكيك وإحباط تتحطم كلها على صخرة حبه وانتمائه لوطنه.

 

في 30 يونيو 2013 خرج المصريون كما المارد من القمقم وقالوا للوطن: شبيك لبيك.. ورفعوا شعارهم العبقري وهتفوا بكل قوة.. يسقط حكم المرشد.. وكان الشعار تعبيرا عن يقظة الشعب في لحظة حاسمة، وسلاحا ماضيا لاسترداد الوطن بعد اختطافه لمدة عام كان من المقرر أن يظل مختطفا 500 عام حسب ما كانت جماعة المرشد تأمل وتتمنى وتعمل لذلك أكثر من 8 عقود!

 

المصريون في هذا التوقيت أدركوا بفطرتهم السليمة أن الوطن إذا راح فلن يعود.. لأن الخطة كانت تقسيمه وبيعه أجزاء لمن يدفع، والمصريون لم يجربوا يوما أن يكونوا لاجئين على حدود أو في خيام إيواء في العراء، أو من الذين ينتظرون الطعام والشراب وأغطية برد الشتاء القارص تسقط عليهم من الطائرات ومنظمات الإغاثة!

 

المصريون منذ فجر التاريخ أول أمة تعرف معنى الدولة، وأول حضارة تؤسس لحياة مستقرة كانت فجر الضمير وواضعة قوانين الأخلاق وأسس الإنسانية، وتلك شهادة لا ينكرها العالم من أقصاه إلى أقصاه مهما حاول الجهلاء إنكارها!

 

استطاع المصريون استرداد الوطن قبل أن ينهار ويصير ركاما، وكان من الضروري في البداية إجراء عمليات الإفاقة وترميم الصدع الذي أصابه حتى يملك زمام نفسه للشروع في عملية إعادة البناء الشاملة.

 

كان السؤال: من أين يبدأ البناء، وما الأولوية الأكثر إلحاحا على صانع القرار ليعيد الروح للوطن من جديد؟

 

بعد القراءة الصحيحة للموقف في الداخل والخارج بكل تفاصيلهما، وبعد التأكد من أن الظهير الشعبي للوطن في حالة يقظة واستنفار ونوبة صحيان حقيقية بعيدا عن التنظير والأطر الجامدة والأيديولوجيات.. كان القرار الاستراتيجي هو خوض كل معارك الوطن بشكل متوازٍ بما أنها متداخلة ومتلازمة لأنه لم يكن متاحا الوقت الكافي لخوضها منفصلة.

 

كانت الحسابات والرؤية تؤكد أن التأخير في مواجهة معركة دون الأخرى لن يحقق نتائج مباشرة في عودة مصر القوية.. وهنا كان التحدي وكانت الإرادة، وكان الوقت هو العنصر الحاسم في الأمر.

 

ولكي تبدأ مصر عملية البناء بشكل صحيح مستفيدة من أخطاء الماضي.. كانت الرؤية تتجه إلى إنشاء أساس قوي يتحمل البناء الكبير، وبدأ الإعداد يسير على قدم وساق لتوفير أدوات وعناصر المواجهة في كل معركة، وفي مسارات متوازية.

 

* على صعيد مواجهة الإرهاب والطابور الخامس.. كان من الضروري إعادة تأهيل جهاز الشرطة وعودة الثقة والروح إليه، وكان للظهير الشعبي بالغ الأثر في ذلك بكل ما تحمله الكلمات من معان، وكان من الضروري توفير كامل العتاد اللازم من الأسلحة الحديثة ذات التقنية العالية في الكشف ومتابعة الإرهابيين، وفي نفس المسار كان العمل يجرى بمنتهى الاحترافية في رفع قدرات الجيش على مستوى كل الأفرع والأسلحة باعتباره الشريك الأساسي في عمليات المواجهة الشاملة وحماية البلاد وبسط سيادته على كل شبر فيها، وقد تحدثنا في ذلك كثيرا وأدركنا أهمية ذلك الآن.

 

* على صعيد التنمية خصوصا المستدامة منها.. كان الهدف هو خلق رفع مستوى معيشة المواطن وخلق فرص عمل مستديمة فكانت الخطوات الجادة في تهيئة البنية التحتية وتجديدها ورفع قدراتها المتواضعة في الطاقة والطرق والكباري والأنفاق بمشروعات قومية كبيرة تربط الوطن وتجعله كتلة واحدة بشكل يخلق مناخا مواتيا يساعد على جلب الاستثمار وإنشاء المصانع والمدن الجديدة وخلق مجتمعات حضارية متطورة قادرة على الحياة والعطاء المستمر.

 

* على صعيد معركة المياه.. كان من المهم قراءة المشكلة باعتبارها معركة حياة.. ومن ثم كان السجال– وما زال– حول سد النهضة الإثيوبي وتداعياته على مصر، وبين الشد والجذب ظل موقف مصر ثابتا في عدم التفريط في لتر واحد من حصتها من المياه مع الأخذ في الاعتبار– وهذا هو الأهم– أن حصة مصر الثابتة لم تعد تفي باحتياجاتها الحالية بالإضافة إلى ما هو مطلوب من مياه لمشروعات التنمية الزراعية وغيرها من الصناعات الأخرى.. لذلك كانت الرؤية هي خوض معركة توفير المياه من مصادر أخرى بديلة بتكنولوجيا متطورة ذات تكلفة عالية سواء بإنشاء محطات تحليه مياه أو معالجة مياه الصرف الزراعي والصناعي معالجات ثلاثية تصلح لكل الأغراض بالإضافة إلى إعداد برامج وطرق لترشيد وتوفير المياه.

 

* على صعيد معركة الغاز.. حققت مصر انتصارا حاسما في معركة من أهم معاركها.. وسبقت فأجهضت مخططات حرمانها من ثرواتها الطبيعية من الغاز والنفط في وقت قياسي.. حيث إن المياه والغاز هما محور صراع العالم وأسباب اندلاع حروبه القادمة.

 

كل ذلك وأكثر من المعارك التي يطول الحديث عنها في الشأن الداخلي اشتبكت معها الدولة وحققت فيها نجاحات كبيرة وكلها على أرض الواقع وفي بؤرة العين لمن يرى بلا هوى أو غرض!

 

لم تغفل الدولة معركة سياستها الخارجية وعلاقاتها مع دول العالم شرقا وغربا.. شمالا وجنوبا لاستعادة دورها العربي والإقليمي والدولي، وتحقيق علاقات مصالح متبادلة والخروج من أي تبعية أو إملاءات خارجية، وقد تحقق ذلك بشكل يدعو للاحترام والفخر.

 

عندما يتعلق الأمر بالوطن واستقراره فلا مجال لوجهات النظر التي تتعارض مع هذا الهدف، ولا التفات إلى وجهات نظر تدعو إلى عدم تسليح الجيش ورفع قدراته العسكرية، ولا إنصات لوجهات نظر تدعو بخبث إلى التسامح في حقوق الشهداء بدعوي التسامح والعدالة الانتقالية، ولا اعتبار لوجهات نظر تتعلق بالمفهوم الواضح للأمن القومي

 

الوقوف وراء الدولة الوطنية وحمايتها وجهة نظر لا تحتمل التعدد، والانحياز للوطن واجب، والحياد في معاركه الأساسية والمصيرية خيانة.نقلا عن روزاليوسف