هيكل الغائب الحاضر  

هيكل الغائب الحاضر  

بقلم فاروق جويدة :

هناك وجوه قد لا تراها وهى أمامك وهناك وجوه أخرى تراها رغم إنها غابت..والموت اشد أنواع الغياب لأنه لا عودة بعده..وما أكثر الذين غيبهم الموت وعاشوا فى أعماقنا وأخذوا مكانا قصيا فى القلوب وسكنوا فيه..مر عامان الآن على رحيل الأستاذ هيكل واعترف أن الرجل زارنى كثيرا فى هذا الغياب واننى افتقدت حضوره الطاغى محاورا ومثقفا وصديقا كثيرا ما كنت أعود إليه التمس النصح والمشورة..

 

بقى مكان الأستاذ هيكل خاليا ولا اعتقد أن مكانة هيكل يمكن أن تكون من نصيب إنسان أخر لأنه كان متفردا فى كل شئ..كان محظوظا هذه حقيقة مؤكدة أن يعيش كل هذا الكم من الأحداث وان يشاهد ويعايش كل هذا العدد من البشر وان يعطى لنفسه كل هذا الوقت وهذا الجهد ليصنع أسطورة محمد حسنين هيكل كاتبا وصحفيا وسياسيا ومفكرا من الوزن الثقيل..

 

أحيانا كان البعض يرى أن الفرصة هى التى صنعت هيكل وكنت أقول كثيرا ما تزور الفرص أنواعا مختلفة من البشر وقليل جدا من الناس من صنعوا من الفرصة نجاحا وتفردا وقيمة..إن الحظ يدق أبوابا كثيرة فى الحياة ولكن هناك شخصا ما فى زمن ما يجعل من الحظ حلما ومن الحلم واقعا ومن الواقع موهبة فذة تخترق كل الحواجز والسدود..كان من الممكن أن يكون هيكل صحفيا عاديا مثل كل الصحفيين ولكن الرجل كان يرى فى نفسه شيئا غير كل الأشياء حوله..

 

هناك إنسان يكتشف منجما من الذهب ولا يستطيع أن يخرج منه شيئا وهناك من يصنع من تراب المنجم تلالا من الذهب..كان مشوار هيكل أعظم انجازاته كإنسان اختلفت الناس عليه ولكن الجميع احترم مشواره..

 

رغم مرور عامين على رحيله مازال مكانه شاغرا وسيبقى..مازلنا نستعيد حكاياته ورؤاه وكانت دائما تسبق عصرها..وفى الظروف الصعبة والمحن التى تمر بها الشعوب نفتقد صوت الحكمة والعقل وهذا ما نشعر به بعد غياب الأستاذ مازالت كلماته تصافحنى كلما افتقدت حضوره وهو الغائب الحاضر وفى مناسبات مختلفة نبحث عن نقطة ضوء كم أنارت حياتنا ونتساءل أين الأستاذ..

 

هيكل الإنسان والصديق والكاتب قصة من قصص التفرد والوعى والإبهار ولهذا سيبقى فى قلوبنا دائما.. نقلا عن صحيفة الاهرام