ماذا تعرف عن  “رأسمالية الكوارث” عقيدة الصدمة

ماذا تعرف عن  "رأسمالية الكوارث" عقيدة الصدمة

بقلم ـ حازم عيسوى :

مفهوم الصدمة:

هو أسلوب للتلاعب تستخدمه الحكومات والإعلام من أجل خصخصة التعليم والمرافق العامة التي يملكها الشعب؛ ورفع الرقابة على الأسواق وحركة الأموال، استجابة لسياسات الرأسمالية العالمية؛ الجزء الأكثر فاعلية في هذا التلاعب يهدف إلى وضع الناس في حالة صدمة يعاني بعدها الناس من الرهبة وفقد القدرة على الحركة، ففي هذه الحالة يصبحون غير قادرين على التفاعل مع فقدان الحقوق الوحشي الذي قد يتعرضوا له.[العرق – سوريا – اليمن . نماذج معاصرة]

 

نظرة تاريخية:

 

نشأت عقيدة الصدمة في الخمسينيات من القرن العشرين بدايةً في مجال الطب النفسي فقد تعاونت وكالة الاستخبارات الأميركية مع الطبيب النفسي الكندي البارز أيوين كاميرون Donald Ewen Cameron ومولت أبحاثه عن استخدام الصدمة الكهربائية على أدمغة المرضى النفسيين بهدف تحويل أدمغتهم إلى صفحة بيضاء لإعادة كتابة المعلومات الملائمة عليها. كان كاميرون يعتقد أن ثمة عاملين مهمين يتيحان لنا الحفاظ على إدراكنا البيانات الحسية التي ترد لنا باستمرار، والذاكرة. لذلك حاول إلغاء الذاكرة بواسطة الصدمات الكهربائية والمهلوسات، وحاول إلغاء البيانات الحسية بواسطة العزل التام. وهنا نصل إلى طبيب الصدم الاقتصادي ميلتون فريدمان.

 

ميلتون فريدمان والعلاج بالصدمة الإقتصاديه:

 

ارتبط اسم ميلتون فريدمان Milton Friedman بقسم العلوم الاقتصادية بجامعة شيكاغو التي لعبت دوراً يتجاوز دورها كجامعة، بل كان هذا القسم مدرسة للفكر المحافظ، ومقراً للمعادين للكينزية، وللتدخل الحكومي”مذهب اقتصادي”، والداعين لحرية مطلقة للأسواق.

 

في إحدى مقالاته الأكثر تأثيرًا، صاغ فريدمان العقار السري التكتيكي للرأسمالية المعاصرة؛ يرى فريدمان أن “الأزمات فقط، حقيقية أو مختلقة، تنتج تغيرًا حقيقيًا”؛ فعند وقوع كارثة تُعتمد الإجراءات التي يتم اتخاذها بناء على الأفكار المتاحة؛ فكما يقوم بعض الناس بتخزين سلع معلبة ومياه استعدادًا لكوارث كبرى؛ يُخزّن أتباع فريدمان أفكار السوق الحرة.

وعند وقوع الأزمة، نجد فريدمان مقتنعًا بضرورة التحرك سريعًا، لفرض التغيير الدائم قبل عودة المجتمع الذي اجتاحته الأزمة إلى “ظروف أشدة وطأة بعد الكارثة”؛ وهو على غرار المفهوم المكيافيلي بوجوب إيقاع “الأضرار كلها مرة واحدة”.

 

هذه الأفكار ومسارات المال، وخيوط تحريك الدمى كانت وراء أزمات وحروب غيّرت العالم في العقود الأربعة الأخيرة؛ وتسمي الكاتبة الكندية نعومي كلاين هذه السياسات بسياسة ” المعالجة بالصدمة”.

 

حيث يقوم مذهب رأسمالية الكوارث على استغلال كارثة، سواء كانت انقلاباً ، أم هجوماً إرهابيا، أم انهياراً للسوق، أم حرباً، أم تسونامي، أم إعصار. وتقول الكاتبة إن التعبير الأدق الذي يصف نظاماً يُسقط الحدود بين الحكومات وشركات الأعمال الكبرى ليس “الليبرالية” أو “المحافظة” أو “الرأسمالية”، بل”المؤسساتية” ومن الميزات الرئيسية لهذا النظام:

1- التحويلات الضخمة للثروات من القطاع العام إلى يد القطاع الخاص.

2- اتساع الهوة بين أصحاب الثراء الفاحش وضحايا الفقر المدقع.

3- قومية عدائية تبرر الإنفاق اللامتناهي على حفظ الأمن.

 

تقول الكاتبة إن السياسات الاقتصادية النيوليبرالية: الخصخصة، وتحرير التجارة، وخفض الإنفاق الاجتماعي؛ التي فرضتها مدرسة شيكاغو ومُنظّرها ميلتون فريدمان عالميًا كانت سياسات كارثية. ولأن نتائجها وخيمة وتؤدي للكساد وتفاقم الفقر، ونهب الشركات الخاصة للمال العام، فإن وسائلها الكارثية تعتمد الاضطرابات السياسية والكوارث الطبيعية والذرائع القسرية لتمرير “إصلاحات” السوق الحرة المرفوضة شعبيًا. تؤرخ كلاين لهذه الكوارث، التي تتضمن برامج لمدرسة شيكاغو أطلقتها انقلابات عسكرية بأميركا الجنوبية؛ والبيع المعيب لاقتصاد الدولة في روسيا لقلّة من الانتهازيين عقب انهيار الاتحاد السوفيتي. “الحالة المصرية في عهد مبارك نموذج معاصر”

 

تقهقر الصدمة:

ارتدت عقيدة الصدمة على مخترعيها فقد بدأت الشعوب تستيقظ. وقد واكب ذلك نعي ميلتون فريدمان أواخر 2006 إيذاناً بأن رحيله مؤشراً لنهاية عصره . وبدأت التساؤلات عن مصير الحركة التي أطلقها، فالمحافظون الجدد تلامذة فريدمان ومطلقو رأسمالية الكوارث خسروا الانتخابات النصفية في الكونغرس، وكان ذلك بسبب فشل مشروع احتلال العراق، وبدأت ملامح ثورة مضادة ضد الفريدمانية واضحة في المخروط الجنوبي “دول أمريكا الجنوبية” وهو أول من طبقت عليه هذه السياسة، فقد فاز إيفوموراليس في انتخابات الرئاسة في بوليفيا ليصبح ثاني رئيس في أميركا اللاتينية يحمل برنامجاً اجتماعياً بعد الرئيس شافيز في فنزويلا ؛ لقد بدأ ينحسر مفعول الصدمة وتعطلت عقيدة الصدمة فنهضت الشعوب في الأرجنتين والبرازيل وتشيلي وباقي دول أميركا اللاتينية. وامتدت الثورة المضادة للفريدمانية إلى بولندا وروسيا.

 

فعندما تصبح آلية الصدم معروفة على صعيد الجماعة تفقد الصدمة جزءاً كبيراً من فعاليتها.

المرجع الرئيسي، كتاب عقيدة الصدمة ، نعومي كلاين.