مقال : اهمية التدريب فى مجال الطاقة النووية

مشروع الضبعة النووي نبأ سار لمصر ويبرز أهمية التعليم  والتدريب فى  مجال الطاقة  النووية

مقال بقلم: الدكتور الراحل/ محمود بركات، رئيس الهيئة العربية للطاقة الذرية (‏سابقاً)‏

خلال شهر سبتمبر الجاري، ستفتح المدرسة الثانوية الفنية لتكنولوجيا الطاقة النووية أبوابها لاستقبال الدفعة الأولى من طلابها الذين سيتجهون بعد تخرجهم للعمل في أولى المحطات النووية في مصر والتي تُقام في منطقة الضبعة. وتُعد هذه المبادرة خطوة واحدة ضمن سلسلة من الخطوات الحيوية التي يتم اتخاذها لتطوير كادر مهني متخصص في المجال النووي في مصر وهو ما يصب في مصلحة القطاع النووي في البلاد.  وقبل وفاته المفاجئ مباشرة، كتب الدكتور/ محمود بركات، رئيس الهيئة العربية للطاقة الذرية (‏سابقاً)‏، مقالاً تناول فيه الأهمية القصوى لتعليم وتدريب كوادر فنية ومهنية متخصصة في مجال الطاقة النووية من أجل تحقيق الحلم النووي لمصر.

 

منذ أن ظهرت  الطاقة  النووية  على الساحة  الدولية منتصف  القرن الماضى وهى تحتل مكانة  متزايدة الأهمية فى تقدم البشرية على جميع الأصعدة العلمية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية أيضاً. ولهذا، سعت العديد من الدول لاستخدام الطاقة النووية بصورة سلمية من خلال إنشاء عدد من محطات الطاقة النووية بهدف توليد الكهرباء باعتبارها بديلاً للوقود التقليدي. ومنذ فترة الستينيات من القرن الماضي، حاولت مصر إطلاق برنامج محدود لإنشاء محطة للطاقة النووية، ولكن محاولاتها لم تنجح في ذلك الوقت. واستمرت هذه المحاولات لأكثر من نصف قرن حتى تم مؤخرا توقيع اتفاقية بين روسيا ومصر لإنشاء محطة نووية هي الأولى من نوعها بمنطقة الضبعة.

 

ولا شك أن هذا الاتفاق الذي طال انتظاره قد أسعد ملايين المصريين، ويتطلع الجميع للإعلان عن بدء تنفيذ هذا المشروع. ولكن يظل دور المختصصين قائما للعمل على توفير أسباب النجاح  لهذا المشروع  العملاق. ولضمان تحقيق النجاح المنشود، تعاونت مصر مع الشركة الروسية روس أتوم. لذا، سنركز في هذا التقرير على قضايا التعليم  والتدريب فى مجال الطاقه  النووية. من الواضح أن إعداد وتدريب كوادر مهنية من المصريين يختلف بالضرورة حسب مستوى التقسيم الوظيفي للعاملين بالمحطة  النووية. إنّ المسئولين عن عمليات التشغيل بالأقسام المختلفة ومساعديهم سيتلقوم تدريبا لمدة لا تقل عن عامين، يحصل المتدربين خلالها على تدريب نظري  ومحاضرات تتركز على كيفية التعامل مع الحوادث البسيطة أو الكبرى وسيتم  تدريبهم أيضاً على كيفية محاكاة نظم العمل لعدد معين من الساعات يحددها مسؤل  التدريب.

 

ويستمر التدريب الموجه لخريجي الجامعات الجدد لمدة عامين. خلال العام الأول من التدريب، يتم التركيز التام على دراسة الفيزياء النووية وهندسة المفاعلات وكيمياء الوقود النووي والإدارة  الهندسية، بينما يتضمن العام التدريبي الثاني تدريباً ميدانياً بالتبادل في تخصصات مختلفة وفى مواقع العمل. وينبغي البدء فورا في إقامة مركز للتدريب بحجم مناسب يضم كل أنشطه التدريب الأساسية والمتقدمة باعتبارها عملية  مستمرة، لضمان الامداد المستمر بالعمالة المدربة على كل المستويات،  بالأعداد المناسبة ومستوى الحرفية المناسب، مع وضع  الأنظمة الإدارية الحديثة بعيداً عن التعقيدات الروتينية المعتادة.

 

ويجرى اختيار المدربين بدقة وعلى أسس أكاديمية، على أن يكون لديهم قدرات شخصية وعلمية واضحة للقيام بعملية التدريب. ومن خلال لجان متخصصة، يتم وضع منهج خاص للتدريب لكل مستوى  تدريبي تتحدد فيه أهداف التدريب وتفاصيله والاختبارات اللازمة، مع مراجعة لجان أخرى متخصصة لكل البرامج، والالتزام بهذه البرامج خلال التدريب. وتعد مشاركة خبراء روس أتوم من الأمور الضرورية فى جميع أنشطة التدريب ووضع البرامج  وكذلك تصميم آليات مناسبة  للتأكد من كفاءة تنفيذ البرنامج التدريبي.

 

ينبغي أيضاً إدراك أهمية التدريب والتأهيل للعاملين فى إنشاء وتشغيل المحطات النووية لتوليد الكهرباء. إنّ إسهام روس أتوم من الأمور المحورية فى هذا الصدد، وذلك للدور الأساسي الذي يقوم به خبرائها للعمل فى كل مجالات  التدريب، بداية من تحديد  مجالات التدريب المختلفة واختيار المتدربين والمدربين، واعتماد مواد التدريب ومناهجه، ثم الإشراف على تنفيذ  التدريب، وأخيراً الإشراف على عمليات التأهيل والتقييم في نهاية البرنامج. من جهة أخرى، ينبغي أن تقوم روس أتوم بجذب وتشجيع الجامعات ومراكز البحوث المناسبة فى مصر وروسيا، للمساهمة فى وضع أنظمة التدريب لمختلف المستويات والتخصصات وكذلك المشاركة فى توفير المتدربين المؤهلين.

 

وعلينا أن نضع في اعتبارنا أن العمر التشغيلي للمحطة النووية يتجاوز 60 عاما. ولهذا، ينبغي أن نؤكد على أهمية تدريب الكوادر من العاملين في كافة القطاعات والأقسام. وهذا الأمر يثير قضية التدريب المستمر، خاصةً بعد تشغيل المحطة النووية بالكامل. إن مشروعات الطاقة تحتل مكانة ريادية في معظم الدول، حيث أن الطاقة تعد المحرك الرئيسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وعلى صعيد آخر، تتمتع المحطات النووية بأهمية كبرى في الدول الناشئة، حيث تستهدف تلك الدول الوصول لأقصى طاقاتها في كافة مجالات الحياة. إلا أن عدم توافر الكوادر المؤهلة والتمويل اللازم بالإضافة لتهالك البنية التحتية يمكن أن يمثل عائقا أمام إنشاء المحطات النووية، وهو ما يؤجل تنفيذ هذه المشروعات.

 

ومن أجل التغلب على هذه العقبات، بدأت الأسواق الناشئة في السعى لتحقيق التعاون وإنشاء شراكات مع الدول المتقدمة تكنولوجيا من خلال عقود واتفاقيات ذات صياغة محكمة فيما يتعلق بكافة الواجبات والالتزامات والمسئوليات الي ينبغي تحديدها بوضوح. إنّ هذه الاتفاقيات تُعد ضماناً لإنشاء بنية تحتية جيدة بما في ذلك إعداد الكوادر المؤهلة. إن إنشاء وتشغيل المحطة النووية الأولى في مصر ومراكز  التدريب الملحقة بها يعد أمراً في غاية الأهمية، لضمان استدامة امدادات الطاقة، وهو ما يؤدى بدوره لتعظيم العائد الاقتصادي والاجتماعي لمصر من خلال زيادة مشروعات التنمية  الصناعية وبناء  المزيد  من  المصانع  وتطوير المشروعات الزراعية بما في ذلك استصلاح الأراضي وتطوير أساليب الري وميكنة  العمليات الزراعية وتجميع ومعاملة المحاصيل بكفاءة، بهدف تقليل  الفاقد.