مَنْ ساعد أبى أحمد كى يعود مجددًا؟

مَنْ ساعد أبى أحمد كى يعود مجددًا؟

خالد عكاشة

فى نهاية نوفمبر الماضى؛ حين أعلن أبى أحمد توجهه إلى جبهة القتال لإدارة المعارك بنفسه ضد «جبهة تحرير تيجراى»، كانت المؤشرات جميعها تصف موقفه العسكرى بـ«المتداعى»، فى نفس الوقت ذهبت التقديرات بأن وضعه السياسى على شفا الانهيار. كان هذا على خلفية هزيمة قوات الجيش الفيدرالى وطردها من إقليم وعاصمة تيجراى مدينة «ميكيلى»، وأعقبه بمجرد استقرار الأوضاع لمقاتلى الجبهة فى استعادة إقليمهم تغيير الجبهة لتكتيكاتها، والإعلان عن انطلاقها تجاه العاصمة أديس أبابا من أجل إسقاط حكم أبى أحمد والقبض عليه والقيادات المتورطة فى الانتهاكات والفظائع لإخضاعهم للمحاكمة، هكذا تحدث وأعلن قادة التيجراى أثناء تقدمهم السريع واستيلائهم على أكثر من مدينة استراتيجية فى الطريق للعاصمة.

توج هذا التبدل فى ميزان القوة على الأرض لصالح التيجراى، عند وصولهم وسيطرتهم على بلدة «ديبرى بيرهان» التى تبعد ١٣٠ كم شمال أديس أبابا، تزامنًا مع تطويقهم المؤثر على مناطق عدة للطريق السريع «A ٢» الرابط بين معاقل الجبهة فى تيجراى ومقر الحكومة الفيدرالية. فى الوقت الذى تكشفت فيه الخطة التكتيكية شبه الكاملة للجبهة التى اعتمدتها من أجل الوصول إلى قلب العاصمة، ففضلًا عما سبق كان هناك ضغط عسكرى مكثف من قبل مقاتلى الجبهة، من أجل الوصول إلى الحدود مع جيبوتى، وقطع الطريق الرئيسى ما بين العاصمة وهذه الحدود التى تمثل شريان إثيوبيا الرئيسى، وهذا طريق يمر أغلبه داخل إقليم «العفر» المجاور للتيجراى شرقًا، وفى حال تمكنت الجبهة من بسط سيطرتها عليه لأصاب أديس أبابا الشلل وتوقف وصول البضائع الرئيسية وتقوضت بالتبعية قدرات بقاء الحكومة الفيدرالية. ولهذا لم يكن مستغربًا أن تكون وجهة أبى أحمد المباشرة إلى تلك الجبهة الشرقية بالخصوص، فمما أصاب قادته العسكريين بالفزع الذى استلزم توجهه بنفسه لقيادة الجبهة، أن التيجراى وصلوا إلى هذا المستوى المتقدم من تطويق العاصمة، دون قتال يذكر تقريبًا. حيث جرى إنجاز هذا التقدم وصناعة هذا الطوق سريعًا، عبر عديد من التفاهمات بين الجبهة والقادة المحليين لتلك المناطق القريبة من العاصمة، وهذه النتيجة تمثل خطرًا أكبر بالنسبة للحكومة الفيدرالية باعتبار قدرة هؤلاء فى التكالب على عرينها، بعد الخنق الناعم الذى انتشر فى نطاقات شمال وشمال شرق العاصمة وبعض من محاور الشمال الغربى.

الذى تكشف مؤخرًا بعد أسابيع من هذا المشهد الاستثنائى، خاصة بعد أن انقلب كليًا، وأعلن فى الأسبوع الماضى عن انسحاب واسع وكبير اضطرت إليه «جبهة تحرير تيجراى»، لتعود أدراجها لنحو ٤٠٠ كم شمالًا كى تتحصن مرة أخرى داخل أراضى إقليمها، وتفقد فى أيام ما حققته على الأرض منذ تمكنت من هزيمة الجيش الفيدرالى. إن قيادات الأخير وأبى أحمد وجدوا أن المشهد العام للجبهات المفتوحة وحجم الانتشار العسكرى وتموضعه المهدد، يحتاج إلى تدخل وإحداث اختراق أكبر من مجرد المواجهات المباشرة والقتال الجزئى فى جبهات متفرقة. ما تأكد اعتماد الجيش الإثيوبى عليه لإحداث هذا الانقلاب فى موازين القوى، هو تدخل «الطائرات المسيرة» واستخدامها على نطاق واسع ضد قوات الجبهة وإحداث خسائر مؤثرة فى صفوفها، وهو ما أرغمها على التراجع المذل الذى كان يسابق الزمن كى يعود متحصنًا داخل أراضيه، للحفاظ على قدر من قواته التى تمددت بأكثر مما يجب ولم يكن فى حسبانها أن تواجه هذا السلاح بتلك الكثافة وبهذه الفاعلية.

تقرير أخير نشرته «نيويورك تايمز» منذ أيام، أعلن فيه إزاحة الستار عن هذا اللغز بمعلومات موثقة ومؤكدة لدى السلطات الرسمية الأمريكية، مصدر نقلها للصحيفة الشهيرة من أسمتهم بالمسئولين بالخارجية الذين اشترطوا عدم الإفصاح عن أسمائهم. جاء فيه أن أطرافًا إقليمية وعربية قامت بتزويد أبى أحمد بأساطيل من الطائرات المقاتلة بدون طيار، وأن الأمر لا علاقة له بالبطولة التى يحاول أن يذيعها أمام الرأى العام الإثيوبى. فوفق ما جاء بالتقرير الأمريكى أنه فى الوقت الذى كانت الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقى وبعض الحكومات تستحث الأطراف على ضرورة وقف القتال والحرب الأهلية المستعرة، قامت أطراف إقليمية بتزويد أبى أحمد بهدوء بأحدث طرازات «الطائرات المسيرة». ووصف أكثر من تقرير عسكرى سابق للنشر الأمريكى الأخير، أن المسيرات تأكد وصولها واستخدامها من قبل أبى أحمد فى الوقت المناسب، وأنها أنقذته فعليًا من الانهيار الكامل. فقد نفذت الطائرات قصفًا مركزًا على مقاتلى جبهة تيجراى وقوافل وخطوط الإمداد الخاصة بهم، خاصة فى المناطق التى تحيط بالعاصمة وحول الطرق السريعة الرابطة بينها وبين الأقاليم الإثيوبية المختلفة، مما أحدث خسائر جسيمة فى قدرات وأعداد جنود التيجراى على نحو كبير ومؤثر.

التقرير الأمريكى ذكر أن هناك نفيًا رسميًا رفيع المستوى صدر عن إحدى الدول الإقليمية فى لقاء مع «جيفرى فيلتمان» المبعوث الإقليمى للولايات المتحدة، أن تكون قد قامت بشحن أسلحة إلى إثيوبيا.

وفيما يخص الدور الإيرانى فإن الأمر أكثر تعقيدًا على الأقل بالنسبة للولايات المتحدة وعلاقتها بأديس أبابا، جراء عقد صفقات مثبتة من قبل الأخيرة مع طهران كانت أيضًا تضم تزويد الجيش الإثيوبى بأسراب من «المسيرات» إيرانية الصنع، وبعض من قطع الغيار والذخائر الصينية عبر ذات الطريق. هذا كشف عنه تقديم المسئولين الأمريكيين فى أديس أبابا احتجاجات خاصة إلى أبى أحمد بشأن الرحلات الجوية الإيرانية، وحثوه على قطعها، خاصة أن شركات الطيران القائمة عليها تعتبرها واشنطن وفق تقديراتها الاستخباراتية واجهات لنشاط «الحرس الثورى» الإيرانى. «دبرتسيون جيبرى مايكل» زعيم جبهة تيجراى؛ وجه خطابًا إلى الأمم المتحدة أعلن فيه عن انسحاب قواته إلى داخل الإقليم جراء الخسائر التى تكبدها، وعول ذلك على التدخلات الأجنبية مسميًا الدول المشاركة فى دعم «أبى أحمد بالاسم، كما ورد بالتقرير الأمريكى، داعيًا إلى وقف فورى لإطلاق النار تليه مباشرة محادثات للسلام تنقذ أرواح المدنيين من قصف «المسيرات» بحسب قوله. وليكن وفق تلك الدعوة ما يشبه الإعلان عن عودة جديدة لأبى أحمد، قد تمكنه من فرض شروطه تحت سطوة القصف الجوى وتفوق السلاح، ومساندة من لا زالوا يستثمرون فى المشروع الإثيوبى حتى الآن.