كيف نامت الضمائر وأين اختفت الأخلاق؟

كيف نامت الضمائر وأين اختفت الأخلاق؟

دينا شرف الدين
حالة فريدة من نوعها قد تمكنت بقوة من تركيبة المجتمع المصري وتغلغلت بأعماقه لتصيبه بالتشوه الحاد في ملامحه الأساسية الراسخة التي لم تتغير قط علي مدار الزمن، وهي حالة انعدام الضمير الذي بات يغط في نومٍ عميق و فساد الأخلاق و اختفاء القيم التي لم تعد تشغل بال الكثيرين !

فما نراه و نسمعه يومياً من خلال نشرات الأخبار من جرائم بشعة تقشعر لها الأبدان كان أحدث إصداراتها حادثة الإسماعيلية التي تعد بشعة بكل المقاييس ، و التي أظهرت فعلياً أن ما كان يسمي “بالنخوة” لم يعد له وجود بقاموس مفردات المصريين اللهم إلا نادرا، جداً ، فعندما تقع جريمة بهذه الدرجة من البشاعة في وضح النهار وعلي مرأي و مسمع المارة الذين غضوا أبصارهم خشية أن يتعرضوا لأي أذي .

تلك هي أزمة الضمير الذي لم يعد يؤرق الكثيرين ، و فساد الأخلاق الذي بلغ ذروته وتخطي كل الحدود في حالة فريدة من نوعها من التبجح و كشف الوجه دون مراعاة أية اعتبارات كنا نظنها هامة فيما مضي !!

ناهيك عن الخبر اليومي الذي لا يكف عن صدمتنا بأبشع أنواع الجرائم و التي باتت تحتل صدارتها عمليات القتل الأسرية و التي تتبدل يومياً ما بين قتل الابن لوالديه و قتل الأب لأبنائه و الأم لفلذات أكبادها.

فعندما خرجنا للميادين منذ عقد مضي من الزمان نطالب بإسقاط القهر و الظلم و التحرر من الفساد الموغل في أعماق البلاد ، وبالفعل قدر لنا الله الفوز بالحرية و التخلص من جميع الفاسدين الذين كنا نظن بسذاجة أنهم مجرد حفنة من المسؤولين الذين يتحكمون بمقاليد الأمور و ما إن سقطوا و انفرط العقد ستتساقط حباته واحدة تلاحق الأخري حتي ينتهي وتنتهي معه حقبة سوداء من عمر مصر .

لكنها كانت مجرد أمنيات طيبة و حسابات خاطئة ، ثبت مع الأيام أنها حلم المدينة الفاضلة التي لا وجود لها علي الأرض بأكملها ! فكانت الصورة كما يلي ؛ تحرر المصريون من أغلال القهر و تخلصوا من الخوف ، فبرع أكثرهم في إظهار الوجه الحقيقي المختبئ خلف قناع الخنوع ، و يا ليته ما تحرر من خوفه ، فقد كانت نتيجة الحرية المفقودة عكسية تماماً، حيث كشف الكثير من أفراد الشعب عن وجوه قبيحة تتفنن في التبجح و التطاول و كسر كافة القيم و المعايير التي تربينا عليها منذ قديم الأزل !

فلم تعد هناك الكثير من القيم الثابتة التي اشتهر بها المصريون مثل الكرم والشهامة والمروءة و النخوة و مراعاة الجار و احترام الكبير و العطف علي الصغير و الترابط الأسري و الأمانة و غيرها الكثير من الأخلاقيات التي تلاشت و باتت نادرة الوجود في مصر و شعبها الذي كان رمزاً للنبل و الرقي !

أما بالنسبة لأزمة الضمير ، فحبات العقد الذي يضم الفاسدين و الذي تصورت عن نفسي أنه قد انفرط بأكمله و أننا علي مشارف التطهير التام ، لم يكن الأول و لن يكون الأخير ، إذ أن الفاسدين و معدومي الضمير متشعبون من الجذور للفروع ، ذلك نتاج لسنوات طويلة من التجريف و التجهيل و التسطيح و تفشي الفقر و الجهل و المرض ، مما خلق أجيالاً و راء أجيال بمعايير و أخلاقيات و ضمائر مختلفة تحرم الحلال و تحل الحرام ، أجيال ناقمة علي الحياة كارهة لأنفسها متعالية علي أوطانها متغاضية عن حسابات الضمير و الأخلاق وخلافه !

فاتضح أنه خلف صفوف الفاسدين الذين تصدروا المشهد و تمت إزاحتهم صفوفاً كثيرة لم نكن نعلم عنها شيئا، و كلما تخلصنا من أحدها أطل من هو أسوأ منها و أضل سبيلا !

إن كنا نرجو الحل القاطع، فلنكثف كافة مجهوداتنا لإصلاح الأجيال التي أصابها المرض والذي لابد من سرعة استئصاله من جذوره و تطهيره ، إذ أن ما يحدث الآن من إصلاح لمنظومة التعليم هو أولي الخطوات لانقاذ أجيال من الجهلة الحاملين لشهادات جامعية ، وثانيها تغليظ القوانين الخاصة بمعاقبة الفاسدين، و هذا ما تتبعه بصرامة القيادة السياسية الحكيمة ، فلم يعد هناك من هو بمأمن من العقاب و لا محصن بسلطة أو مال أو جاه مثلما كان بالماضي القريب.