المراقبة والمحاسبة وجلد الذات !

المراقبة والمحاسبة وجلد الذات !

ريهام مازن
كلمة أعجبتني من الشيخ العلامة الجليل الدكتور، علي جمعة، في حواره مع الزميل الإعلامي عمرو خليل، لبرنامج “مع الناس”.. وكان يُناقش أمرا أظنه حيويا جداً ومهما بالنسبة لنا، نحن المصريين، حول موضوع “جلد الذات”، لأننا اعتدنا هذا الأمر، بمناسبة وغير مناسبة، وبوعي وبدون وعي، الأمر الذي لا يحقق أي جدوى سوى التعاسة والشقاء وصولاً للاكتئاب.. وقد بيَّن عالمنا الجليل الفرق بين محاسبة النفس، وهو الأمر المحمود، وجلد الذات، الأمر الذي لا يجر علينا سوى خراب العقول وتعاسة النفوس ووهن الأبدان.

وقال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو كبار هيئة العلماء في الأزهر الشريف، إن هناك بعضاً ممن يرتكبون معصية أو يفعلون ذنباً لا يستطيعون نسيانه فيكتئبون، وهذا الاكتئاب يأتي من فقد الأمل من رحمة الله تعالى، ومما يسميه بعض العلماء “الاكتفاء”أيكتفي بدراسة الذنوب وغير راضٍ أن يتجه للتوبة.

رسولنا الكريم سيد الخلق أجمعين، محمد صلى الله عليه، صلوات ربي وسلامه عليه، كان يستغفر الله في اليوم 100 مرة، ووضح ذلك من حديث عائشة -رضي الله عنها-أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: “لمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أحب أن أكون عبداً شكورا”.. ومعنى هذا الحديث أنه يجب علينا أن نستغفر الله دائماً في كل وقت وكل حين.

وأشار الدكتور علي جمعة، إلى أهمية عمل الحسنات لمحو السيئات، في قول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم “اتق الله”وبين عظمة ربنا سبحانه وتعالى ورحمته الواسعة، حين قال “واتبع السيئة الحسنة تمحها”.. قائلاً إن الله فتح لنا الباب حتى يزيل السواد الذي يخيم على الإنسان عندما يرتكب خطيئة أو معصية.وأشار عالمنا الجليل، بالقول: “إن بعض الناس المتعودين على الاستغفار مش واخدين بالهم إن الاستغفار له أثر كبير.. ولكن لفت الدكتور علي جمعة،إلى أن البعض عندما يفعل ذنباً يجلد ذاته، وحذَّر من جلد الذات قائلا: “جلد الذات ممنوع”.

وأوضح أن الفرق كبير بين المراقبة والمحاسبة وجلد الذات، فجلد الذات يؤدي إلى اليأس، أما المحاسبة، محاسبة النفس فقد تؤدي إلى العمل والطاعة حتى نمحو بها آثار الخطأ الذي وقع، حتى لو كانت الخطيئة كبيرة، “فمن ستر على مؤمن في الدنيا ستر الله عليه في الآخرة.”

وقال إن سيدنا عمر بن الخطاب كان يقول “حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن تُوزن عليكم”، فالأجل لا يعرف سنا، ويأتي في أي سن، ويجب على الناس أن تصبر وتحتسب صبرها عند الله عند مصائب الدنيا.

وأشار إلى أن “جلد الذات” ناتج من الجهل والاكتفاء أي يكتفي بالاستغراق في هذه المعصية أنه فعل المعصية و”ربنا مش هيغفر له”، وهذا يؤدي إلى اليأس من رحمة الله وهى كبيرة من الكبائر ويؤدي إلى الاستسلام للمعصية، فهناك من يقول “أنا كدا كدا داخل النار” فهذا اعتقاد خاطئ فمجرد التلفظ بقول “يا رب تبت إليك” فيفرح الله فرحا شديدا.

فمن فعل ذنباً أو معصية فعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه. ، فمن فعل الخطيئة أو الخطأ فعليه أن يبادر بفعل الحسنة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:”اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ وأتبِعِ السيئةَ الحسنةَ تَمْحُهَا وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ”، كذلك عندما كان الصحابة يفعلون ذنبا أو معصية ويأتون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويعترفون له فيقول (اذهب وتوضأ)، لافتاً إلى أن هناك فرقا بين الخطيئة والخطأ، فالخطيئة بقصد والخطأ من غير قصد.

وبيَّنَ الدكتور علي جمعة، أهمية المراقبة والمحاسبة، لأنها هي التي تجعلنا لا نستمر في الغفلة والتمادي في المعصية وسواد القلب في الدنيا والآخرة، فعلى الإنسان أن يفعل الدور المنوط به في هذه الحياة، وهو العمارة وتزكية النفس ومعاونة الخلق وفعل الخير، وعبادة الله.

وأوضح أن من يبرر لنفسه الذنب بحجة أن كل الناس تفعل ذلك، فهو غافل ولا يحاسب نفسه، فمحاسبة النفس، هي الطريق الأمثل لعدم تكرار الذنب.

من كل قلبي: تعلمنا أن الحسنات يذهبن السيئات، فبفعل الخير تُمحى الذنوب، هذا ما وُعدنا به ربنا سبحانه وتعالى، إن محاسبة النفس أمر مهم للغاية، وعلينا أن نحاسب أنفسنا بألا نقع في معصية أو نفرط في فريضة أو نضيع على أنفسنا خيرا.. وقد أوصانا النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، حين قال: “اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلقٍ حسن”.