عباءة السعادة

عباءة السعادة

بقلم / الحسانين محمد
البحث عن السعادة ،هدف نعيش العمر تنقيبا عنه في كل لحظة وخطوة وكلمة وعلاقة،وقد يمضي بنا قطار الأيام لمحطته الأخيرة ، ولا ندركه ، ورغم ذلك لانفقد رجاءنا في البحث عنه، ويعترينا أمل مناله في الحياة الآخرة ، التي نري فيها تعويضا عن خيباتنا الكبري في أحلامنا الشهيدة في معارك الحياة .
التساؤل الأهم هنا هو” لماذانضل الطريق دائما للسعادة؟” ، هل لأننانخطو إليها في الطرق الخطأالتي تقودنا إليها توقعاتنا الخاطئة؟، أم أنناوصلنا إليها مرات عديدة ، ولم نراها أو نستشعرها لأنناانشعلنا عنهابتعظيم أثرالأشخاص والأشياء ، ممن نسلم لهم مفاتيح قلوبنا ومشاعرنا ليغرسوها فينا ؟ ، فهل نجوب الأرض بحثا عن السعادة وهي داخلنا أو بين أيدينا أو نعيشها أحيانا ولا ندري ، ونكون كما قال الأديب الروسي تولوستوي “نحن نبحث عن السعادة غالباً وهي قريبة منّا، كما نبحث في كثير من الأحيان عن النظارة وهي فوق عيوننا”.
توصيف السعادة هو أول خطوة نحوها ، وقدتباري الكتاب والحكماء والفلاسفة في وصفها والطرق المؤدية إليها ، فهل للسعادة أنواع “مادية أوروحية ، داخلية أوخارجية” ، وأحجام ” أبدية وطويلة وقصيرة”؟، وهل هي كامنة في طريقة التفكير والمزاج العام ؟ أي أننا نعيشها ونتلمسهافي ترويض النفس علي القناعة وأننا دائما في أفضل حال، لأننالم نقصر في حق أنفسنا ومانعيشه هو اختيار الله لنا ودائما هو الأفضل مهما كان ظاهريا أسوأ ،ويجسد هذا المعني الإمام علي ابن أبي طالب في قصيدة له من أجمل مأثوراته يصف فيها ماهية السعادة وطرق الوصول إليهابقوله : ” النفس تبكي على الدنيا وقد علمت *** أن السعادة فيها ترك ما فيها .. لا دارٌ للمرءِ بعـد المــوت يسكُنهـا *** إلا التي كانَ قبل الموتِ بانيها ..فـــإن بناهـا بخير طـاب مسكنُـه *** وإن بناهــا بشر خــاب بانيـــها .. أموالنا لــذوي الميراث نجمعُها *** ودورنا لخــراب الدهــر نبنيـــها.. لا تركِنَنَّ إلى الدنيــا وما فيــهـا *** فالمـوت لا شـك يُفـنـيـنا ويُفنيــها.. لكل نفس وإن كانت على وجــلٍ *** من المَنِـيـَّةِ آمـــالٌ تــقــــويـــهـــا”، ومن أقواله الشهيرة في طلب السعادة :” إنّ أحببت أن تكون أسعد النّاس بما علمت ، فاعمل… والسعادة هي مجرّد فرحة بسيطة تدخل القلب وتظهر الابتسامة الجميلة و يلخص الإمام علي منهجا بسيطا للوصول للسعادة الكاملة بقوله : “راحة الجسم في قلة الطعام.. وراحة النفس في قلة الآثام.. وراحة القلب في قلة الاهتمام.. وراحة اللسان في قلة الكلام ، مسرّة الكرام في بذل العطاء، ومسرّة اللّئام في سوء الجزاء” .
ويحدد الفقيه ابن القيم الجوزية منهجا عمليا للسعادة فيقول :” التوحيد يفتح للعبد باب الخير والسرور واللذة، والفرح والابتهاج ، اطلب قلبك في ثلاثة مواطن : عند سماع القرآن ، وفي مجالس الذكر ، وفي أوقات الخلوة ؟ فإن لم تجده في هذه المواطن فسل الله أ ن يمن عليك بقلب ؛ فإنه لا قلب لك” لأن لذة كل أحد على حسب قدره وهمته و شرف نفسه ، وأشرف الناس نفسا وأعلاهم همة وأرفعهم قدرا من لذته في محبته والشوق إلى لقائه والتودد إليه بما يحبه ويرضاه”، وفي كتابه ” الفوائد ” يقول ابن القيم :”للإنسان قوتا ن ،قوة علمية نظرية ، وقوة عملية إرادية ، وسعادته التامه موقوفة على استكمال قوتيه العلمية والإرادية”.
الأديب والفيلسوف اللبناني الأمريكي جبران خليل جبران، وضع توصيفا فلسفيا للسعادة بقوله : “ستبكي يوماً ما مما كان مصدر سعادتك وبهجتك حين يغمُرك الحزن، تأمل قلبك من جديد، فسترى أنك في الحقيقة تبكي مما كان يوما مصدر بهجتك ” كما قال :”السعادة تكمن في تشوقنا لما نحن محرومون منه ممنوعون عنه، وما السعادةُ في الدنيا سوى شبحِ يُرجى فإن صار جسماً ملّه البشرُ”.
وينسف الكاتب المسرحي البريطاني الشهير وليم شكسبير ، وهم البحث عن السعادة المفقودة فكتب أغرب توصيفا للسعادة بقوله :” لن أكون سعيداً جداً لو استطعت أن أصف كم أنا سعيد، علمتني الحياة أن أبكي في زاوية لا يراني فيها أحد، ثم أمسح دمعتي، وأخرج للناس مبتسماً”.
خلاصة القول مما سبق أننا يمكننا اقتناص السعادة بلحظة ابحار في الذات ، فقدتفيض علينا هذه اللحظةبمناعة من البهجة ، تكفي لوقايتنا من مرارة أيام طويلة، ونحن صناع السعادة بداخلنا لا يمنحنا إياها غيرنا ، ولا نعلقها بأحلام قد تحول دونها الأيام ، وغالبا ما يطغي اشتياقنا لحلم نتمناه ، علي روائح الفرح التي تفوح حولنا فلا نستشعرها ,ويتملكنا احساس باللا وجود يقوقعنا في انكسارات الماضي ، وهذا الماضي الحاضر الذي حرمنا متعته ، ويعيش دائما في أذهاننا ، يجعلنا نطيل النظر إلي مافاتنا ، ونضيع ما نعيشه وما كان ينتظرنا، وعندما يزورنا الحزن نستسلم لهواجسنابأنه النهاية وطويل المقام ، وعندما تزورنا السعادة كعابر سبيل ، نعيش لحظاتها بقلق المترقب لشيئ سيئ في رحم الغيب ، لأننا تربينا علي الخوف من السعادة ، واستئناس الحزن وانتظاره دائما،وفي النهاية فإن الحياةفرصة لاختلاق السعادة من ذرات رماد أيامنا.