د. محمود خليل يكتب: رقص «الأحباش»

د. محمود خليل يكتب: رقص «الأحباش»

د. محمود خليل يكتب: رقص «الأحباش»

خبرات أهالى الجزيرة العربية مع الأحباش -قبل ظهور الإسلام- خبرات يمكن وصفها بالسيئة.

فبعد مذبحة نجران التى راح ضحيتها الآلاف من مسيحيى اليمن على يد «ذو نواس»، حرّك ملك الحبشة -وكان على دين المسيح- جيشاً كبيراً للثأر لشهداء المذبحة، وانتهى الأمر بسيطرة حبشية كاملة على اليمن بقيادة أبرهة الأشرم، الذى تحرك بعد ذلك لهدم البيت الحرام مستعيناً فى ذلك بأفيال الحبشة، وهى الواقعة التى سجلها القرآن الكريم فى سورة «الفيل».

ومن المرجح أن هذه الواقعة أدت إلى توتر العلاقة بين العرب والحبشة، خصوصاً أن الأحباش احتلوا اليمن لمدة تقترب من 72 عاماً، لكن المثير أن مسارات الأحداث بعد بعثة النبى صلى الله عليه وسلم لا تتوافق بالجملة مع حالة التوتر تلك.

فقبل الهجرة إلى المدينة نصح النبى أتباعه بالهجرة إلى الحبشة فراراً من اضطهاد مشركى مكة، وهو الأمر الذى دفع المكيين إلى إرسال وفد بزعامة عمرو بن العاص إلى الحبشة للتفاوض مع «النجاشى» من أجل رد المجموعة المارقة، وهو ما رفضه الملك، كما تحكى كتب السيرة.

ويعنى ذلك أن العرب -سواء من آمنوا بمحمد أو أنكروا دعوته- احتفظوا بعلاقة جيدة مع الحبشة على الرغم من واقعة «الفيل».

العلاقة الودية بين أهالى الجزيرة العربية والحبشة (إثيوبيا حالياً) قديمة، لم يؤثر فيها تلك المحاولة المرعبة لهدم البيت الحرام، لتحويل وجهة الحجاج إلى اليمن.

وقد مثل عمرو بن العاص دور سفير العرب إلى الحبشة، ومن اللافت أن «عمرو» هو الصحابى الذى قاد معركة الفتح العربى لمصر، فى خلافة عمر بن الخطاب.

ولو أنك تابعت الجدل الذى دار منذ فترة حول وجود مسارح فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم فستجد أن «الحبشة» حاضرون فيه بقوة.

فأصل الاستدلال على وجود نشاط مسرحى فى عهد النبوة يرتبط بما كان يطلق عليه «رقص الحبشة». فقد اعتاد الحبشة الرقص بالحراب فى المسجد النبوى، وكانت السيدة عائشة -رضى الله عنها- تحب مشاهدتهم من باب حجرتها من داخل المسجد.

ومع الفارق الكبير بين مفهوم المسرح بالمصطلح المعاصر، والعروض التى كان يقدمها الأحباش عبر اللعب بالحراب أيام الأعياد، إلا أن كثيرين استندوا إليها عند الحديث عن إباحة الإسلام لفنون العرض المسرحى، بل وبالغ الصوفيون فى الأمر أكثر، حين وظفوا واقعة الرقص الحبشى فى مدار تبرير الرقص الصوفى فى حلقات الذكر داخل المساجد.

ويذهب بعض العلماء إلى أن هذا النشاط لم يكن يعبِّر عن ممارسة فنية، قدر ما يعكس تدريباً قتالياً، كان الحبشة يقومون به داخل المسجد النبوى أو فى الساحة المقابلة له.

أياً كان الأمر فقد كانت الحبشة حاضرة بقوة فى الحياة العربية، وكان العرب يحبون رقصهم وقتالهم ويقدرون ملكهم النجاشى، ويقيمون علاقة طيبة مع دولتهم فى أفريقيا.

وقد يفسر لك الحديث عن جذور هذه العلاقة حالة التنسيق التى تشهدها أيامنا المعاصرة ما بين بعض دول الخليج وأفريقيا.