بايدن والنظام الشرق أوسطي الجديد

بايدن والنظام الشرق أوسطي الجديد

بقلم / أحمد نجم
لا يمكن أن نختلف حول نظرة القيادة السياسية الأمريكية الجديدة للشرق الأوسط فيما بعد العشرين من يناير القادم حين يتولي جو بايدن الرئيس الأمريكي المنتخب مقاليد الحكم في البيت الابيض، ستكون بالضبط سياسة تراعي المصالح الأمريكية في المنطقة دون المساس بقدرتها على التحكم في ضبط الأمور لكنها ستختلف في أولوية بدء الملفات، أعتقد أن بايدن ومن خلال متابعتي لملف تصريحاته أثناء الحملة الانتخابية ستكون له رؤية حول كيفية تقليص الدور العسكري في الشرق الأوسط ولن يغامر بإرسال مزيد من الجنود الأمريكيين للمنطقة.

كما أن جو بايدن سيثير أزمة بين أمريكا والنظام السعودي وسيقوم بفتح ملفين في غاية الأهمية أحدهما يمثل الملف الشائك في العلاقات الدولية وهو ما يسمي بالملف الأمني السعودي اليمني وسيكف عن دعم الملف السعودي في اليمن لإنهاء صراع راح ضحيته ما يقرب من 90 ألف شهيد معركة، أيضا سيكون للملف النووي الإيراني أولوية بالإضافة لتصريحه المستفز حول قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، وهو ما يقلق الجانب السعودي الذي فقد بفوز بايدن حليفا مهما، بايدن لن يولي اهتماما كبيرا بتدعيم بعض دول الخليج نظرا لما يمثله تراجع النفط واستخدام الطاقة البديلة لكنه سيتعامل من منطلق الوالي الذي يفرض السياسات مقابل ما تقدمه الدول من خدمات.

بايدن أيضا سيرى ما تقدمه بعض الأنظمة العربية لشعوبها وسيحاسبها أيضا فيما تقدمه لهم قبل أن يقوم بالمساندة سواء السياسية أو الاقتصادية وربما ينتهج بايدن تلك السياسة لتحقيق مزيد من المزايا النفطية والدولارية للاقتصاد الأمريكي، فمن المؤكد من خلال استعراضي ملف تصريحاته أن له رؤية حول مهام القوات الأمريكية في الشرق الأوسط والتي لا بد أن تخدم مصالح الشركاء المحليين في التصدي للتنظيمات التي تهدد مصالح أمريكا ويرى أن تقتصر مهمة القوات الأمريكية على التصدي لبقايا تنظيم الدولة الإسلامية والوصول لتسوية في سوريا، وكان بايدن أثناء مهامه كنائب للرئيس الأسبق باراك أوباما قد رفض إرسال قوات أو مساعدات إلى المعارضة السورية، وربما تشهد المنطقة تقارب أمريكي إيراني وهو ما كان يحدث إبان تولي بايدن الملف حين كان نائبا للرئيس الأسبق باراك أوباما وكانت السعودية ترى أن الإدارة الأمريكية تنحاز بالفعل لإيران عقب توصلها للاتفاق النووي ليأتي ترامب عقب توليه الرئاسة بإصدار قراره الخطير بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران في الثامن من مايو 2018 وإعلانه فرض العقوبات الأمريكيّة المتعلقة بالنشاط النووي على إيران وهو القرار الذي كان له من الآثار السلبية ما يفوق إيجابياته وبالتالي صب القرار في صالح الصين دون أن يقصد ترامب المغامر والمخادع الذي راوغ رؤساء حكومات حلفاء أمريكا أثناء مناشدتهم أمريكا إنقاذ الاتّفاق لما يمثله من استقرار في العلاقات الدولية إلى حد ما، أيضا أضعف الانسحاب الأمريكي مصداقيتها مع حلفائها بعد التنصل من وعودها لهم، في اعتقادي أن بايدن سيعيد النظر في الاتفاق مع مراعاة المصالح الأمريكية في المنطقة وأيضا لمنع الانفلات الإيراني في تطوير المنظومة النووية لديها مرة أخري غير أني اعتقد أن تصريح محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني بأن إيران ستنفذ الاتفاق النووي بالكامل إذا رفع الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن العقوبات عن طهران سيكون له أثر في رؤية شاملة لملف شائك مع بصيص أمل بتقارب بينهم، في هذه الحالة سيتطلب من إيران الوفاء بالتزاماتها مع الجانب الأمريكي والعودة إلى المفاوضات في إطار مجموعة الخمسة + واحد وهو ما يعني القوى العالمية الست الموقعة على اتفاق التوصل لتوافق نووي مع إيران سيكون عامل له أثر كبير في استقرار العلاقات الإيرانية السعودية وغيرها من الدول لما تمثله إيران من سيطرة على مقاليد الأمور في اليمن وخطورة التحديات في باب المندب.

ملفات شائكة لبايدن بجانب ملف القضية الفلسطينية والعلاقات الأمريكية المصرية وملف المساندة الأمريكية للتحالفات العربية الأخيرة التي ضمت السعودية ومصر والإمارات والبحرين وإعطاء ترامب الضوء الأخضر بالتدخل في شئون دول أخرى، بايدن سيعيد النظر في تلك الملفات بما لا يتجاوز العلاقات الأمريكية الإسرائيلية فتصريحاته حول ملف القضية الفلسطينية وتأييده حل القضية الفلسطينية من خلال إقامة دولتين لتحقيق السلام الفلسطيني، الإسرائيلي وتأكيده على ضرورة عودة أمريكا إلى الحوار مع الفلسطينيين وإقناع اسرائيل بعدم القيام بأي خطوات تقف عائقا ضد إقامة الدولتين، بايدن أكد على فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية ومكتب تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن واستئناف المساعدات الأمنية والاقتصادية للفلسطينيين والتي أوقفتها إدارة ترامب.

غير أن السياسة الأمريكية اعتادت التنصل من الوعود التي لا تتوافق مع أهدافها ومصالحها مع اللوبي الصهيوأمريكي والتي تراعي أساسياته بعيدا عن أي علاقات، أيضا يواجه بايدن الملف الليبي والتدخل الروسي والتركي في ليبيا وهو ما سوف يسعى إلى تقليصه بالتناغم مع حلفاء المشير حفتر، وسوف تواصل أمريكا التأكيد على مجابهتها الجماعات المتطرفة وحماية النفط وسوف تتعامل الإدارة الأمريكية مع المشير حفتر باعتباره الصديق طالما كان يسير في إطار الإستراتيجيات الأميركية، ويبقي الأهم بالنسبة لنا وهو الملف المصري على منضدة ترامب، فيما يبدو كانت العلاقات المصرية الأمريكية بين ترامب والرئيس السيسي جيدة وهو ما كان يبدو دوما في إشادة ترامب بالرئيس السيسي ووصفه بالشريك الرئيسي في عملية السلام وتعاملت مصر بذكاء شديد في ملف الانتخابات الأمريكية انتظارا للرئيس القادم، ويتذكر الأمريكيون ما أعلنه الرئيس السيسي في 2015 من ضرورة البدء في مراجعات عامة تتعلق بالمناهج لمواجهة الأفكار المتطرفة وهو ما يذكره بايدن للرئيس بإعجاب شديد ووصفه بالشريك الرئيسي الهام في محاربة التطرف، إذا بايدن يلمس جهود الرئيس عبد الفتاح السيسي في مواجهة قضية دولية ويراه يسير على رؤي مشتركة، رؤية قد تفتح الباب لنمو علاقات جيدة في المستقبل ولاشك أن الدبلوماسية المصرية تعرف طريقها جيدا في التعامل مع أي نظام عالمي جديد الذي يحترم في مصر الحرص على الأمن الداخلي لتدعيم الأمن الخارجي واحترام حقوق الإنسان وتدعيم المواجهات الدولية للتطرف وحرصها على دعم السلام في كل علاقاتها الدولية وهو ما سوف يشجع بايدن على نمو وتطوير علاقات أمريكية مصرية سوف يحتاجها دوما في علاقاته بالشرق الأوسط الجديد.