الصبر على الأذى

بقلم ـ إبراهيم نصر
كنت استمع إلى آيات من الذكر الحكيم على إذاعتي المفضلة: “القرآن الكريم”، فشد انتباهي آية كريمة، وكأني أسمعها لأول مرة، ووجدتني أربط بينها وبين الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتبرتها إجابة كافية وشافية عن سؤال يتردد بقوة مع كل إساءة لرسولنا الأعظم سيدنا محمد: ماذا نفعل مع هؤلاء المسيئين؟ وتأتي هذه الآية الكريمة لتجيب بوضوح عن هذا السؤال، من منطلق أن العبرة في آيات القرآن الكريم بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

الآية الكريمة في سورة آل عمران تقول: “لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فإن ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ” (186).

وهذه الآية الكريمة تشبه إلى حد كبير قوله تعالى في سورة البقرة: “ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين (155) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (156)” أي: لا بد أن يبتلى المؤمن في شيء من ماله أو نفسه أو ولده أو أهله– كما يقول المفسرون- ويبتلى المؤمن على قدر دينه، وإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء، وهل من مصيبة أو ابتلاء أكبر من أن نسمع الشتائم على رسولنا الكريم، أو نرى رسومًا تنال من قدره الشريف؟

وقد نزلت آية “آل عمران” للمؤمنين عند مقدمهم المدينة قبل موقعة بدر، مسليا لهم عما نالهم من الأذى من أهل الكتاب والمشركين، وآمرا لهم بالصبر والصفح والعفو حتى يفرج الله، فقال: “…وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور”.

قال ابن أبي حاتم: عن عروة بن الزبير، أن أسامة بن زيد أخبره قال: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله، ويصبرون على الأذى، قال الله: “ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا” قال: وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتأول في العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم.

وقال تعالى: “ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره” (الآية: 109 من سورة البقرة)، فكأن من قام بحق، أو أمر بمعروف، أو نهى عن منكر، لا بد أن يؤذى، وما له دواء إلا الصبر في الله، والاستعانة بالله، والرجوع إلى الله، عز وجل.. هكذا يقول أهل العلم عند تعرضهم لتفسير هذه الآيات.

ويقول الله تعالى في سورة البقرة: “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” (155- 157)، ويقول الله تعالى في سورة آل عمران: “الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174).

بعد كل هذه الأوامر من الله تعالى بالصبر على أذى الكفار والمشركين، وبيان الفضل العظيم جزاء هذا الصبر، فهل يليق أن تصدر عنا أفعال عنيفة أو إجرامية في حق المسيئين؟ وتكون نتيجة مخالفة أمر الله وفعل رسوله والصحابة أن ننسب للإسلام ما ليس فيه، وأن نعطي لأعدائه خنجرا مسموما للطعن في ديننا الحنيف، والتشنيع عليه بأنه دين إرهاب وقتل وترويع، وهو في حقيقته دين سلم وسلام وأمن وأمان للعالمين.. و.. و.. و.. “وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا” (الكهف-29).