الإعجاز اللغوى لسورة الكهف

الإعجاز اللغوى لسورة الكهف

مجدى علام
تعتبر سورة الكهف معجزة لغوية وعلمية وتاريخية لا تقارن بأى سورة أخرى، فتاريخياً فقد كشفت عن أسرار تنشر لأول مرة عن أهل الكهف وعن ذى القرنين وعن يأجوج ومأجوج وعن صاحب المزرعة أو الجنة كما سمته السورة وقد زرعها بطريقة الزراعة المكثفة التى عرفها العالم منذ سنوات قليلة فالزرع المحصولى كما عرفه الفراعنة لكن أضاف إليه «وحففناهما بنخل»، أى أحاط المزرعتين بنخل كمحصول إضافى فى مفهوم الزراعة الكثيفة، ويمر النهر حاملاً المياه بين الجنتين «وفجرنا خلالهما نهراً» لسرعة وسهولة وصول المياه لآخر حدود الجنتين، وكما وصفتهما الصورة «تلك الجنتين آتت أكلها ولم تظلم»، أى لم تنقص محصولها أبداً حتى لحظة غروره وتكبره الذى فقد فيها جنتيه ورضا ربه، وعلمياً فقد لفتت النظر لتقدم العالم القديم فى العلوم والتكنولوجيا ومنها علوم الحديد والبترول والفلك والبناء والنقل البحرى وإصدار العملات الورقية وليست الحجرية أو المعدنية وأنواع الزراعة النهرية، والجغرافيا التى مسحت فيها الصورة طبيعة الجبال والسهول والهضاب عبر مسطح الكرة الأرضية كله من الشرق إلى الغرب، أما لغوياً فنحن أمام سورة لم تتكرر فى القرآن كله، وأعتقد ولا حتى فى الكتب السماوية الأخرى من حيث التحدى اللغوى الذى أعلنته السورة فى البداية.. «الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً»، وختامها «قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مدداً»، أى مداداً، أى حبر لكتابة الكلمات، متحدياً البشر جميعاً أن يصيغوا سورة مثل سورة الكهف فى حروفها وكلماتها، ولنتمعن فى بعض النماذج من السورة لأن السورة كل آياتها معجزة.

نبدأ بكلمة تستطيع آية ٦٧ سورة الكهف «قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً» فقد وردت الكلمة بحروفها كاملة فى بداية الحوار بين سيدنا الخضر وسيدنا موسى وتفهم من ورود الكلمة كاملة أنها تفيد استطالة القصص المتتالية، لذا فقد وردت كاملة الحروف، ووردت مرة أخرى فى منتصف الحوار بينهما فى رحلتهما عبر خليج السويس آتيين من خليج العقبة من رأس محمد ليركبا السفينة وينزلا قريتين فيقتل الخضر صبياً فى واحدة ويبنى منزلاً لصبيين فى الأخرى، وكان هذا مدى زمنى ورحلة مسافتها طويلة للمراجعة لذا فقد استخدم الكلمة بحروفها كاملة.

وفى المرة الثالثة حين اختتما الرحلة استخدم الكلمة مختصراً حرفاً واحداً هو حرف الياء ولذلك استخدم كلمة «ما لم تستطع عليه صبراً» فهو ليس بحاجة للإطالة، فهما على وشك الفراق ولن يعرف سيدنا موسى أين ذهب الخضر، كما لم يعرف من أين جاء، فالروايات تقول إنه رآه جالساً على الماء عند موضع الحوت الذى ذهب للبحر الأحمر فى رأس محمد، فهى مجمع بين البحرين العقبة والسويس آية 7٧ سورة الكهف «قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً».

وفى المرة الرابعة، أى ختام روايته لما حدث وآخرها، وهما فى الطريق للفراق استخدم كلمة «ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبراً» فقد حذف حرف التاء وحرف الياء من كلمة تستطيع فأصبحت تستطع، وأكاد أرى سيدنا الخضر وهو يختفى فجأة من أمام سيدنا موسى وتركه فى دهشة الإعجاز الأكبر، إذ كيف لعبد من عبادنا أن يكون لديه علم لدنى إلهى ولا يعلمه رسول؟ والإجابة أن الرسول هو بشر يوحى إليه بكلام أو أفعال لا فضل له فيها وإنما الفضل لله الذى اختاره، أما العباد المخلصون من الساجدين والعابدين دون أن يكونوا رسلاً فيختص الله كلاً منهم بخواص لا تتوافر فى زميله، ولا ننسى أن سيدنا عمر نادى على «سارية» ليحتمى بالجبل من فوق المنبر على بعد آلاف الكيلومترات من موقع المعركة وسمعه «سارية» فغير مكان موقعه وجنوده، وهؤلاء العباد المتصوفة الذين يجود الله عليهم بعلم الغيب رحمة من لدنه وليس لصفة فى عباده آية 82 سورة الكهف «وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً».

وتصر سورة الكهف أن تؤكد أن الفتوحات الربانية لا تصل إلى قوم موسى أو قوم الخضر وحدهم فاختارت السورة قصة ذى القرنين لتؤكد نفس الفتوحات على عباده العاملين العالمين مثل المخترعين للأدوية والأجهزة والمعدات التى تمكن البشر من تيسير حياة إخوانهم فى البشر، فتشير بنفس آيات التيسير وسرعة الإنجاز لعبد هو ذو القرنين أياً كان من هو إذا كان الإسكندر الأكبر أو غيره فتشير إلى علمه بأن القطر أو الوقود والحديد والنار سوف تجعل السد غير قابل للهدم ويمنع يأجوج ومأجوج من الخروج بمشاغبة البشر ولتلك قصة أخرى نتناولها لاحقاً إذ لماذا شدد القرآن على وجودهم فى عدة مواقع فأراد القرآن أن يشير إلى سرعة تنفيذ السد وشدة بنائه الذى سيبقى ليوم القيامة حتى يأذن الله بعلامتها بيأجوج ومأجوج، وهنا أشار القرآن إلى علو هذا السد «فما اسطاعوا أن يظهروه» رغم سرعة بنائه وتصور البعض سهولة تسلقه حيث بدا سداً قصيراً أمامهم واختصار كلمة استطاعوا إلى حذف التاء لتصبح اسطاعوا تصورهم أنه سهل تسلقه لقصره وأعاد التاء لتطيل المدة الزمنية للهدم فإن تصورهم أن قصر ارتفاع السد سيجعل الهدم سهلاً تصور خاطئ بدليل أنهم حاولوا مدة طويلة ففشلوا رغم هذه المدة الطويلة التى تفهمها من إعادة حروف الكلمة كاملة «وما استطاعوا له نقبا» مؤكدة أنهم حاولوا عدة مرات أن يثقبوه وفشلوا والله أعلم آية 96 سورة الكهف «آتُونِى زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً».

وتصر سورة الكهف أن تختتم معجزات اللغة باستخدام كلمة «فما اسطاعوا أن يظهروه» محاولة استعجالهم صعود السد «وما استطاعوا له نقباً» أى طول مدة محاولتهم لنقب السد، وتختتم السورة بما بدأت به من تحدٍ لغوى وعلمى كامل «قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى» آية 97 سورة الكهف «فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً» آية 109 سورة الكهف «قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّى لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً».